تتواصل المجالس الحسينية في حسينية الحاج أحمد بن خميس ضمن موسم محرم 1447هـ، حيث أقيم مجلس ليلة السادس لسماحة السيد عدنان الكراني. افتُتح البرنامج بتلاوة عطرة للقرآن الكريم بصوت القارئ محمد مرهون ، تلتها زيارة الإمام الحسين بصوت القارئ السيد هادي شرف . تحت عنوان "حب الإمام الحسين (ع) وسيلة السعداء"، استهل سماحته المجلس بحديث رسول الله (ص) : "ألا من مات على حب آل محمد مات شهيدًا". طرح سماحة السيد تساؤلًا جوهريًا يحدد مسيرة الإنسان في الحياة ويساعده على تحقيق سعيه نحو السعادة والكمال، وهو "لماذا خلقنا؟". ويكمن الجواب في الآية الكريمة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". هنا نجد أن مكمن السعادة يكمن في العبادة. ولكن، العبادة لا تنحصر في الشعائر اليومية كالصلاة و الزكاة و الصيام والحج فحسب، بل يجب أن تشمل كل مفاصل حياة الإنسان، دقيقها وجليلها. من خلال هذا المفهوم الشامل للعبادة، يستطيع الإنسان أن يبلغ مقامًا رفيعًا يمثل فيه السماء على الأرض. لهذا، تُعد العبودية من أرفع وأسمى المراتب التي يمكن للإنسان أن يحققها، لأن فيها كماله. كلما ازداد الإنسان عبودية لله عز وجل، وامتثل لأوامره واجتنب نواهيه، ارتقى في مراتب الكمال.
بعد هذه المقدمة، تناول سماحته العنوان الأول: "بين الحرية والعبودية". إن الإنسان يسعى غريزيًا للتحرر في شتى الميادين. في الجانب المعنوي، يسعى لإزالة العوائق أمام قدراته واستعداداته. في الميدان الفقهي، يعمل على إبراء ذمته من التكليف والعقاب. وفي الجانب الاجتماعي، يسعى لإزالة القيود التي يضعها الآخرون. أما في الميدان الحقوقي، فيرفض الاسترقاق والاستعباد. تتنوع موارد الحرية، لكن مفهومها يبقى ثابتًا من الناحيتين اللغوية والعرفية.لقد أصبحت الحرية من المطالب المُلحة التي لازمت البشرية عبر التاريخ، وهي من مختصات الإنسان الذي يحيا بالحس والشعور، ويتحرك بالفكر والإرادة، ويتمتع بقدرات تؤهله لمقام الخلافة في الأرض. ولكن ما فائدة هذه الحرية وما قيمتها الحقيقية التي يسعى الإنسان لتحصيلها؟، ملاحظ أن البعض- وخصوصًا فئة الشباب - يسعى للحصول على الحرية في كل جوانب الحياة، فلا يقبل النصيحة أو التوجيه بحجة أنها حاجة ملحة لديه. لو عرف هذا الشاب القيمة الصحيحة للحرية، لعرف كيف يطلبها وكيف يتعامل معها. من أين نأخذ هذا الفهم؟ من الإسلام العزيز. ينظر الإسلام إلى كل عامل يسهم في سعادة الإنسان الواقعية، التي يرضاها الله، ويعطيه قيمة عالية. هذه العوامل التي تساهم في سعادة الإنسان ليست نوعًا واحدًا، بل فيها الإيجابي والسلبي. الأمور المعرفية والثقافية والتربوية تُعد من الأمور الإيجابية، فماذا عن الحرية؟
الحرية من العوامل السلبية! و السبب هو أن أساس الحرية ليس إلا عدم وجود الموانع والعوائق أمام سعادة الإنسان. فالإنسان يسعى لرفع كل مانع أمام سعادته، وهذا هو معنى الحرية. إذا كانت الحرية بهذا المعنى، فهي ليست هدفًا يُطلب لذاته، بل هي وسيلة لا أكثر ولا أقل. وإذا كانت وسيلة، فإنها تستمد قيمتها من الهدف الذي ارتبطت به.فالاختلاف في قيمة الهدف يؤدي إلى الاختلاف في قيمة الحرية. إذا كان هدف الإنسان الاستماع إلى الغناء ويطالب بالحرية، فإن قيمة هذه الحرية تُستمد من هذا الفعل. وإذا كان يمارس أفعالًا محرمة ويطلب الحرية لذلك، فقيمة حريته تأتي من هذا الهدف. أما إذا كان الهدف رضا الله سبحانه وتعالى، وأن يكون الإنسان مؤمنًا وملتزمًا بخط أهل البيت عليهم السلام، ويسعى لطلب الحرية في ذلك، فإنه يأخذ قيمة حريته من العمل والهدف السامي الذي يسعى إليه.
التوافق بين العبودية والحرية ، يعرف العلماء العبودية بأنها تحرر الإنسان من أغلال الشيطان ومكائده. وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا الأمر في قصة زوجة عمران . هذه المرأة العظيمة فهمت معنى العبودية بشكل حقيقي، ولهذا وصفت مولودها في عبوديته لله وخدمته لبيت الله بأنه محرر. وهذا هو المعنى الحقيقي للحرية: أن يكون الإنسان عبدًا لله عز وجل.هذا المعنى يختلف تمامًا عن المعنى الذي ورد في قصة جارية بشر الحافي المعروفة لفهمها المختلف لمعنى الحرية والعبودية. يجب على الإنسان أن يحدد مصيره بناءً على هذا الفهم. وهذا ما نتعلمه من مدرسة الحسين عليه السلام. في هذا الموسم العبادي، عندما نحضر هذه المجالس ونلتزم بها، لنسأل أنفسنا: "أنا حر أم عبد؟". إذا كان جوابنا كجواب الجارية، فسوف نفعل كل ما نريده دون تورع أو مراقبة لله في تصرفاتنا. لكن إن كان المعنى الذي نتبناه هو المعنى الذي جاءت به زوجة عمران، فسوف نكون خاضعين لله عز وجل فيما يريد ويطلب.
العنوان الثاني الذي تناوله سماحته هو "العبودية في العاطفة". إن العبودية لله عز وجل لا تقتصر على الأفعال الجسدية فقط، كالصلاة والصوم والحج والزيارة، بل يجب أن يخضع الإنسان عاطفته أيضًا لله سبحانه وتعالى. ولهذا، ضمن الفروع الإسلامية عند أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، نجد إلى جانب الصلاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبدأي التولي والتبري. ويعني ذلك أن أحب من أحبه الله عز وجل، وأن أبغض من أبغضه الله سبحانه وتعالى. أن يكون حبي وبغضي في الله سبحانه وتعالى. يقول رسول الله (ص) مخاطبًا أمير المؤمنين عليه السلام: "يا علي، لو أن رجلًا أحب في الله حجرًا لحشره الله معه". ويقول القرآن الكريم: "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ". فاختيار من نكون معه يوم القيامة يرافقه التزام وصدق في الفعل والعمل. لهذا، يجب على الإنسان أن يخضع عاطفته لأحباء الله وأوليائه. النموذج الأول للحب في الله هو نبينا الأكرم (ص) . فقد بين النبي في رواياته كيف يجب أن يكون حب الإنسان له، فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". هكذا يجب أن يستوعب رسول الله صلى الله عليه وآله كامل عاطفتنا وحبنا. بل إنه جعل حب أهل بيته أجرًا على أداء رسالة الإسلام: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ". وقد أجمع علماء المسلمين، خاصة وعامة، أن هؤلاء الأقارب هم علي وفاطمة وولداهما
حب أمير المؤمنين عليه السلام ، أمير المؤمنين (ع) يقول في بعض ما روي عنه: "ألا ومن أحب عليًا أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينتين في الجنة". بحب علي تزول الشكوك، وتسمو النفوس، ويعلو النجار. حيثما رأيت محبًا له، فثم الزكاء والفخار. وحيثما رأيت عدوًا له، ففي أصله نسب مستعار. حب أمير المؤمنين يرافق الإنسان من الدنيا إلى باب الجنة ، النموذج الثالث هو حب الإمام الحسين (ع) ، لهذه الكلمة أثر عظيم في قلب المؤمن: "حسين". يُقال: "حب الحسين وسيلة السعداء"، وإن لم تثبت هذه الكلمة في حق عابس تحديدًا، إلا أنها تحكي فعله وفعل من يسير على خط الحسين: "حب الحسين أجنني". لقد ركز رسول الله (ص) في تعليم الناس حب سيد الشهداء، كما ركز على تعليمهم حب أمير المؤمنين. يقول النبي: "بأبي وأمي، من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلينظر إلى الحسين سلام الله عليه". والنبي بأبي وأمي لم يعلمنا حب الحسين بلسانه فقط، بل كان المسلمون يرون كيف يطبق عمليًا هذا الحب ويعلمنا ذلك. تقول بعض الروايات: خرج الحسين بأبي وأمي من بيته ودخل المسجد، والنبي كان يخطب على المنبر والجموع أمامه. تعثر الحسين بثوبه وسقط على الأرض وبكى. فماذا فعل النبي؟ قطع خطابه، قطع تبليغ أحكام الدين والقرآن، ونزل من منبره إلى الحسين، واحتضنه إلى صدره، ومسح الدموع من عينيه، وقال: "إليَّ يا أبا عبد الله". فقلت: "يا رسول الله، أنت ما تحملت أن ترى الحسين يتأثر بطرف ثوبه وبكيت لأنه بكى من هذه السقطة".
الكراني ليلة السادس من شهر محرم الحرام 1447 هـ /2025م














































































التعليقات (0)