شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الرابع عشر من شهر رمضان لعام 1444هـ/2023م

واصل سماحة الشيخ ابراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية بحسينية الحاج أحمد بن خميس ، و ذلك في ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ ، وتحت عنوان " العدل الالهي وفلسفة الشرور " ، ابتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة البقرة : " وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)" . من القوانين الإلهية الحتمية هو قانون الإبتلاء ، قوانين الله عز وجل التي لا يكون للإنسان فيها ارادة تسمى قوانينًا قهرية مثل الموت و الإبتلاء ، لا يمكن أن يكون العبد في هذه الدنيا بمأمن عن الغربلة و الإمتحان و الإبتلاء ، هذه الدنيا شاء الله أن تكون مضمارًا للتمحيص ، فهل يصح أنها أرض الشرور ، يقال أن المرض شرٌّ ، والفقر و الزلازل و الطوافين والبراكين شرورًا .


انقسمت العقول البشرية الى عدة آراء في تصنيف الشرور و المحن و الغربلة ، القسم الأول تساءلوا من أين تأتي وما الحكمة منها ؟ و لم يحصلوا على جواب لها ، القسم الثاني : قالوا بأن ذلك يدلّ على عجز الله عن منع الشرور و جهله وضعف قدرته فأساؤوا لله عز وجل . الصنف الثالث وهم الأسوأ هم أصحاب النظريات الماديّة ، زعموا بعدم قدرة الله و أنكروا وجود الخالق و الله وكلها أنظمة طبيعية في الكون . أصناف الإبتلاءات و المحن و الغربلة كثيرة ، فهل هو شر ؟ ، الفلاسفة عندما تحدثوا عن فعل المولى عز وجل قسموها على نحو الحصر العقلي ، فحصروها على خمسة أنواع ، الأول ما يصدر من الله أن يكون خيرًا محضًا لا شرّ فيه وهم الملائكة و المعصومين ، الثاني ما كان فيه خير كثير و شر قليل أمثال البشر وهما القسمان الصحيحان ، القسم الثالث أن يخلق الله قسمًا يتساوى فيه الخير و الشر ، و الرابع أن يخلق الإنسان خلقًا شرّه أكثر من خيره ، و الصنف الخامس و الأخير هو الصنف من الخلق أن يكون شرًّا محضًا ، ولا يمكن للعقل أن يقبل صدور الأقسام الثلاثة الأخيرة من الحكيم ، فسم العقرب هو ليس شرّ محض بل شر نسبي وكذلك المطر.

هناك مجموعة من الآثار الإيجابية للامتحانات و الابتلاءات التي تُحدق بالإنسان ، أول الفوائد أن البلاء يُحرّك الطاقة الإنسانية عند الإنسان فيتطوّر و يبتكر وقد قالوا أن الحاجة أم الإختراع ، فتحرّك الإنسان الحاجة ، و الابتلاء يُحرّك الإنسان لكي يصنع و يوجد ، الأثر الثاني : بعض أنواع البلاء انما يكون جرس انذار للانسان على المستوى الروحي أو الجسماني ، فتكتشف بعض الأمراض من خلال أمراضًا أخرى مصاحبة ، وبعض الابتلاءات تُربّي الإنسان على المستوى الروحي ، فيُبتلى الإنسان بأمر لكي يقمع أمورًا أخرى ، مثل قصة ثعلبة بن حاطب وكان من الأنصار، حيث قال للنبي (ص): ادع الله أن يرزقني مالا، فقال (ص) : " يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" ، وبعد ذلك سقط في المعصية . الأثر الثالث : عودة الانسان الى الله عز وجلّ ، فقد تغلب على الانسان شقوته فينسى رقابة الله ، فيحتاج الى ناقوس يوقظه من غفلته و هي النوائب و المصائب . الأثر الرابع : معرفة النعم ، فلا تُعرف القيم الا بفقدانها ، فتعرف نعمة الصحة عند المرض و السقم ، ويعرف قيمة النعم الإلهية عند الفقر ، في بعض الحالات يسلب الله منا بعض النعم كي نعود اليه و يوقظ غفلتنا عنه ،و تُعرف الأشياء بأضدادها .

الله عز وجل أحيانًا يجعل من البلاء سببًا لبلوغ مراتب الكمال ، فليس كل بلاء غايته التكفير ، بل كثير من الابتلاءات غايتها التكريم و الرفعة ، فإذا أحبّ الله عبدًا زاده من البلاء ، سئل رسول الله (ص) من أشد الناس بلاء في الدنيا؟ فقال: " النبيون ثم الأمثل فالأمثل ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه " ، فلا تتعجّب ولا تنوح على الدنيا ، فسعادتك الحقيقية في الآخرة ، فان ابتلاك الله في جسمك و مالك و بدنك ، يعوّضه الله لك في عالم النشأة الدائمة و ليس في هذه الزائلة ، فينبغي للمؤمن أن يعرف غايات الإبتلاء ، لا نختلف أن بعض الناس متمرّدون على الله ، و لهذا يُنزل الله عليهم البلاء و العقوبة ، عن أبي عبد الله (ع) قال: " أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " قال: ثم قال: وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به. "

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع