شارك هذا الموضوع

الدرس الرابع : الذنوب والمعاصي واثارهما

الإسلام ومعالجة الإنحراف:
 إنّ التعاليم القيّمة بشأن السعادة الإنسانية وبيان الخير والشر تطابق تماماً المنهج الطبّي بشأن صحّة الناس وسلامتهم. ولذا فإنّ النبي الأكرم (ص) كان في تحقيق التكامل المعنوي للبشر كالطبيب الحاذق الطاهر القلب على رأس المريض.


وفي هذا الصدد يصفه الإمام علي  بقوله: "طبيب دوّارٌ بطبِّه، قد أحكم مراهمه وأحمى مواسمه، يصنع ذلك حيث الحاجة إليه في قلوب عمي، واذان صم، وألسنة بكم".


ففي وصف الإمام علي للنبي (ص) أنَّه كان طبيباً سيّاراً، يحمل معه في حقيبته الأدوية اللازمة للتضميد والمعالجة، فإذا وجد قلوباً عمياء، وأرواحاً صمَّاء، قام بمعالجتها وأنقذ الناس من الموت المعنوي والإنهيار الخلقي.


ومن خلال نظرة موضوعية على أسلوب الإسلام في معالجته لإنحراف المجتمع نجده يستعمل منهج الأطباء في معالجة المرض.
وللأطباء منهجان في معالجة المرض. أحدهما إيجابي والاخر سلبي.


فيقولون للمريض في المنهج الإيجابي: إحتقن بهذه الإبرة. استعمل هذا الدواء، إشرب من هذا الشراب.. أما في الجانب السلبي، فيقولون للمريض: لا تأكل العنب. لا تشرب الخل لا تستعمل الأكلات الدسمة، وهكذا..


والمنهج الديني الذي يشابه المنهج الطبي تماماً، فيقول للمسلم من جهة، أقِمْ الصلاة، أدِّ الزكاة، ليكن كسبُك حلالاً.. ويقول له من جهةٍ أخرى: لا تكذِب، لا تغتب. لا ترتكب معصية ولا ذنباً.
فالجانب الإيجابي في الدين يسمى بالواجبات، بينما يُطْلق إسم المحرَّمات على الجانب السلبي.


والإنسان السعيد هو الذي يطبّق التعاليم الإيجابية. فكما لا بد من الإتيان بالواجبات لا بد من ترك المحرَّمات.


والنظرة الثاقبة للأمور ترينا أن أثر الجانب السلبي في العلاج أقوى من أثر الجانب الإيجابي ولهذا فإن الإسلام ركّز على ضرورة ترك الذنوب والمعاصي، لأنّ‏َ كفّة الإبتعاد عن الذنوب "الجانب السلبي" ترجّح في ميزان السعادة البشرية على كفّة الإتيان بالواجبات "الجانب الإيجابي".


فليس صيام شهر رمضان  مثلاً  إلاَّ مظهر من مظاهر الإجتناب عن المفطرات بنّية التقرب إلى الله تعالى. وهذا المضمون هو ما عبّرت عنه الروايات كما في الحديث عن الإمام علي ?: "اجتناب السيِّئات أولى من إكتساب الحسنات".
 
أسباب إنهيار المجتمع:

إن أغلب الماسي التي تصيب الفرد أو المجتمع ناشئة عن التلوّث بالذنب والمعصية والأمم التي إنهارت إنهياراً تاماً. ولم يبق منها في التاريخ إلاّ إسمها، كان السبب في ذلك عدم مبالاتها بالذنوب والمعاصي، وهذا ما يؤكد عليه القران غير مرة: "كذّبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم"(1).


فالماسي المختلفة التي تعلق بأذيالنا  شيوخاً وشباباً  وليدة التلوّث بأنواع الذنوب واللامبالاة في إرتكاب المعاصي والمحرّمات.
 
ما هو الذنب؟

الذنب عبارة عن مخالفة القوانين الإلهية، واتباع الأهواء والرغبات التي تلح عليها النفس، من دون رادع أو مانع، وفي الشريعة الإسلامية هو ارتكاب فعلٍ منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به.
 
التفكير في الذنب:

إن الإسلام يخطو خطوة متقدّمة في هذا المجال، ويقول بأن الإنسان الواقعي هو الذي لا يكتفي بترك الذنب فحسب، بل لا يفسح مجالاً في ذهنه وفكره للتفكير في الذنب.


ولا يدع الفكرة المظلمة تمر بخاطره.. فإنّ التفكير في الذنب حتى ولو لم يصل إلى مرحلة التطبيق، يوجد ظلمة روحية في القلب ويمحو الصفاء الروحي من الإنسان.


يقول الإمام أمير المؤمنين ?: "صيام القلب عن الفكرة في الاثام أفضل من صيام البطن عن الطعام".


ويقول إمامنا الصادق ? راوياً عن عيسى بن مريم ? أنَّه يقول: "إنّ موسى أمركم أن لا تزنوا، وأنا امركم أن لا تحدثوا أنفسكم بالزنا، فإن من حدّث نفسه بالزنا كما كمن أوقد في بيت مزوّق فأفسد التزويق الدخانُ وإن لم يحترق".


وبهذا يتبين لنا أن فكرة الذنب توجد ظلمة في القلب، وتسلب صفاء النفس، حتى ولو لم يرتكبه الإنسان.
 
الاثار الدنيوية للذنوب
يغفل كثير من الناس عن الاثار الدنيويَّة للذنوب، ويتخيلون أن معصية الله تعالى لا أثر لها سوى العقاب الأخروي، وبما أنه مؤجل فإنهم يتهاونون به، ولكنهم لا يدرون أن لها اثاراً دنيوية على حياتهم مباشرة قد بيَّنها النبي واله (ع) في كثير من الروايات، وقد صدقتهم التجربة والواقع. ولو أن الناس التفتوا إلى هذه الاثار الدنيوية وأيقنوا بها لما تورطوا في ارتكاب شيء منها.
 
فمن هذه الاثار:
أنها تورث الفقر:
قال الإمام جعفر بن محمد الصادق ?: "إن الذنب يحرم العبد الرزق"(1).


والمرض والمصيبة:
عن الإمام الصادق أيضاً ?: "أما إنه ليس من عرق يضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلاَّ بذنب"، وذلك قول الله عزَّ وجلّ في كتابه: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير"، ثم قال: "وما يعفو الله أكثر ما يؤاخذ به"(2).


وفوات الغرض الذي عصى من أجله:
عن الصادق ?: "كتب رجل إلى الحسين صلوات الله عليه: عظني بحرفين: فكتب إليه: من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لمجيء ما يحذر"(1).


 وخسارة العمر:
عن الصادق ?: "من يموت بالذنوب أكثر ممن يعيش بالأعمار"(2).


وخسارة عناية الله:
قال رسول الله (ص): "قال الله جلّ جلاله: أيما عبد أطاعني لم أكله إلى غيري وأيما عبد عصاني وكلته إلى نفسه ثم لم أبال في أي وادٍ هلك"(3).


وعدم استجابة الدعاء:
عن الإمام الباقر ? قال: "إن العبد يسأل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيُذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك: لا تقضِ حاجته واحرمه إيَّاها فإنه تعرَّض لسخطي، واستوجب الحرمان مني"  (4).


وعدم التوفيق للعبادة خصوصاً لصلاة الليل:
عن الإمام الصادق ? أيضاً أنه قال: "إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل، وإن العمل السي‏ء أسرع في صاحبه من السكين في اللحم"(5).


ونسيان العلم:
قال النبي (ص): "اتقوا الذنوب فإنها ممحقات للخير، إن العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه، وإن العبد ليذنب الذنب فيمنع به من قيام الليل وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به الرزق وقد كان هنيئاً له"(6)، ثم تلا: "إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة"(7).


وموت القلب:
عن الصادق عن أبيه (ع) قال: "قال رسول الله (ص): أربع يمتن القلب: الذنب على الذنب، وكثرة مناقشة النساء ومماراة الأحمق تقول ويقول، ولا يرجع إلى خير أبداً ومجالسة الموتى. فقيل: يا رسول الله، وما الموتى؟ قال: كل غني مترف"(8).


قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"(9).


عن علي ?: "ما جفَّت الدموع إلاَّ لقسوة القلوب وما قست القلوب إلاَّ لكثرة الذنوب"(1).
لكل ذنب جديد أثر جديد:


قال الإمام الرضا ?: "كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون"(2).


ولعلَّ هذا ما يفسر حدوث بعض الأمراض المستعصية المنتشرة اليوم وفي عصر العلم والتكنولوجيا.


ونكتفي بهذا القدر من الاثار الدنيويَّة للذنوب، وإن كان هناك أضعاف ما ذكرنا منها، لا يتسع المجال لذكرها.
 
الاثار الأخروية للذنوب:
أبرز الاثار الأخروية للذنوب استحقاق العقوبة والدخول إلى النار، هذا فضلاً عن العذاب الدنيوي، قال تعالى: "مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً".


ولبعض الذنوب أثر في تطويل مدة العذاب واستحقاق ألوان أخرى منه كالعذاب المعنوي القائم على الندم والتحسر: عن النبي (ص): "واعلموا أن العبد ليحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن"(3).


وقد يستوجب الذنب فوق ذلك غضب الله تعالى والخلود في النار، قال عز وجل: "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنَّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً".
فحريٌ بالعاقل الذي يجنّب جسمه مضار الأطعمة أن يجنّب نفسه مضار الذنوب.


عن الإمام الحسين ?: "عجبت لمن يحتمي عن الطعام لمضرّته ولا يحتمي من الذنب لمعرّته"(4).
 


- للمطالعة
 * النبي يوسف (ع) بطل التقوى
شاء الله تبارك وتعالى أن يؤخذ يوسف إلى مصر، فيباع هناك، "بثمن بخس: دراهم معدودة. وهكذا دخل يوسف البلاط، وفيه إمرأة عزيز مصر التي لا تفكر إلاَّ في لذاتها وأهوائها وشهواتها.
ومجيء يوسف الشاب الجميل إلى هذا القصر، دفع بهذه المرأة لأن تفكر في إستثمار يوسف على طريق شهواتها الجامحة، لذلك أعدّت كل السبّل لإيقاع يوسف في شراكها.
وكما قال القران الكريم: "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك"(1).


في هذه اللحظات مرّ يوسف بامتحان عسير، فهو الشاب الذي فيه ما في الشباب من شهوة عارمة، وأمامه زليخا بكل ما فيها من مفاتن طبيعية واصطناعية، وهو في داخل غرفة مغلقة الأبواب، بعيدة عن الأنظار.


وهناك إلى جانب كل هذا، الطلب الشديد الملّح من زليخا.


أمام هذه العوامل الدافعة نحو الإنزلاق إلى حضيض الشهوة، صمد يوسف وقاوم أمام الشهوة، وأمام تهديدات المرأة الطاغية، وفرّ إلى الله من وساوس الشيطان وانتصر وأثبت جدارته في اللحظات الحاسمة.


ماذا كانت النتيجة؟
مرّت الأعوام والسنون، وإذا الحقيقة تنكشف لعزيز مصر، ويعرف مكانة يوسف وصدقه وأمانته، فيستدعيه بلهفةٍ قائلاً: "ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلما كلّمه قال: إنَّك اليوم لدينا مكين أمين".
بعد أن كسب يوسف ثقة هذا الملك، أراد أن يتولى المسؤولية التي تليق بقدرته وبهدفه في خدمة الناس قال: "إجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".


وهكذا مكّن الله "ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء".


وبعد أن التقى يوسف(ع) بإخوته وتعجب الأخوة مما بلغه أخوهم من منزلة، بين لهم بعبارة موجزة كل ما جرى في ذلك اليوم في قصر عزيز مصر وقال: ".... إنَّه من يتق الله ويصبر فإنّ الله لا يضيع أجر المحسنين"(2).
  
 - الذنوب الكبيرة في فقه الامام الخميني (قدس سرّه)
جاء في كتاب تحرير الوسيلة للإمام الخميني رحمهم الله حول الذنوب الكبيرة ما يلي:
1-  هي كل معصية توعَّد الله مرتكبها بنار جهنم كما ورد في القران والروايات الاسلامية.
2-  أو نهي عنها في الشريعة نهياً غليظاً.
3-  أو دل دليلٌ على كونها أكبر من بعض الذنوب الكبيرة الأخرى أو أمثالها.
4-  أو حكم العقل بأنها كبيرة.
5-  أن يعد ذلك الذنب في ارتكاز المتشرعة من الذنوب الكبيرة.
6-  أو ورود النص من الرسول (ص) أو الأئمة (ع) بكونها من الذنوب الكبيرة.
ثم قال: الذنوب الكبيرة كثيرة بعضها عبارة عن:


اليأس من رحمة الله-  الأمن من مكره - الكذب على الله تعالى ورسوله (ص) وأوصيائه - قتل النفس التي حرَّمها الله إلاَّ بالحق-  عقوق الوالدين-  أكل مال اليتيم ظلماً-  قذف المحصنة-  الفرار من الزحف - قطيعة الرحم - السحر-الشعوذة - الزنا – اللواط-  السرقة-  اليمين الغموس-  كتمان الشهادة في مورد تكون الشهادة عليه واجبة - شهادة الزور - نقض العهد-  الحيف في الوصية - شرب الخمر - الربا - أكل السحت -القمار - أكل الميتة والدم-  أكل لحم الخنزير-  ما أهلَ لغير الله من غير ضرورة-  البخس في المكيال والميزان-  التعرب بعد الهجرة - معونة الظالمين- ( الركون اليهم )يعني الظالمين-  حبس الحقوق من غير عذر-  الكذب – التكبر-  الإسراف والتبذير-  الخيانة-  الغيبة - النميمة-  الإشتغال بالملاهي-  الاستخفاف بالحج - ترك الصلاة  -منع الزكاة - الإصرار على الصغائر من الذنوب.


وأما الشرك بالله تعالى وإنكار ما أنزلهُ ومحاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر.
وطبقاً لما ورد في رسالة الامام الخميني رحمهم الله فإنّ الذنوب الكبيرة كثيرة وما ذُكر هو قسم منها. فمثلاً الاستهانة بالكعبة والقران والرسول والأئمة الطاهرين (ع) أو سبهم  أو البدعة و... يعد من الذنوب الكبيرة.
 


- أسئلة حول الدرس
1-  هل عالج الإسلام الإنحراف الاجتماعي وكيف؟
2-  ما هي أسباب إنهيار المجتمع؟
3-  ما هو تعريف الذنب؟
4-  كيف ترى إنعكاس نتائج الذنوب على البشر؟
5-  ما هو الجزاء العاجل والجزاء الاجل؟
 


- تمارين
حدد الصحيح من الخطأ :
أ-  إن أغلب الماسي التي تصيب الفرد والمجتمع ناشئة من التلوّث بالذنب والمعصية
ب-  الذنب هو مخالفة القوانين المودع فيها الطبيعة الكونية
ج-  ليس هناك أي فرق بين الجزاء العاجل والجزاء الاجل
د-  الإسلام يدعو إلى عدم التفكير بالذنب كما هي دعوته إلى عدم إرتكابه

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع