شارك هذا الموضوع

الأمثال في المواكب

الموكب كمدرسة متنقلة تقدم دروسها التربوية والأخلاقية ...تسعى لتقديم رسالتها بكل الوسائل المتاحة ..والمادة الأدبية متمثلة في الشعر هي العصب الرئيس في إبراز هذه الرسالة ....ولا يخفى على أي متابع لمسيرة الأدب بصورة عامة والأدب العربي بصورة خاصة ما للأمثال من أهمية في تدعيم وتقوية المادة الأدبية ...فلو أنك قرأت مثلا أجراه السيد ناصر العلوي :
خبّأ شوكاً في الصدرِ
ويضمُّك نحوالأحضــان
لأدركت مدى الحاجة للمثل لتقريب الفكرة وتعزيز الإقناع لدى السامع بالصورة المجراة في المثل ولأدركت أن القصيدة الموكبية تحذو حذو القصيدة العربية في نهجها الأدبي واستخدام الأدوات الفنية المقبولة ذوقيا لإيصال الفكرة والحكمة ... وكما يقال أن المثل تشبيه حالة بحالة لايصال الصورة واضحة للمستمع والقارئ ...هذا هوالشاعر حسين حبيب يقول :
الطفلُ كالزهرةِ والذراعُ غصنٌ
رجعتَ بالغصنِ ولم ترجع بزهرة
ولا يخفى على المتأمل صورة التشبيه بين الطفل والزهرة وصورة التشبيه الأخرى بين الذراع والغصن والمثل المصنوع في لوحة الشاعر الفياضة بالألم لفقدان الزهرة ... ولكل شاعر أسلوب وطريقة ومنهجية في صناعة أمثاله الموكبية ...الشاعر سيد ناصر العلوي متمكناً من هذا الفن تراه يتالي عليك الأمثال مترادفة في الأبيات متتابعة فطورا تقرأ قدرته على الغوص في عمق النفس البشرية مستخلصا طبائعها وثغراتها ليقول :
من يفقدُ العقلَ لأجل منصبٍ
فعندهُ كلُ الذنوبِ جائزة
فيكتشف معادلة نفسية قابعة في أغوار البشر تجرهم للذنوب وهي فقدان القدرة العقلية السليمة واختلال العملية الحسابية لديهم ...ثم قبل أن ينهي فقرته الموكبية يختمها بمثل يقارع به المتمردين على الإرادة الإلهية وأن نتائج الأمور تُكتشفُ بالمبارزة ليس إلاّ: ويعرف الشجاع في المبارزة
وقد ورد في كتب الأدب أن الأمثال تدل على عقلية الشعوب التي تصدر عنها ...وهذا هو حقا ما كان دربا تقتفيه السليقة الأدبية العربية الإسلامية وهي تنشد السعادة بارتياد طريق الحرية ولنا في نص الشاعر نادر التتان هذا المثل :
وموت الحر للحر سعادة
وحين نحلق في أجواء الأمثال وما تحتويه من كنوز المعاني ندرك لماذا يهتم الأدب العربي بالأمثال ولماذا وضع الأدباء في الأمثال ستا وستين كتابا في مختلف فنونها ...وهكذا نلمس جمالية المثل وضرورته في الحث والتحفيز ...وهذا شاعر آخر يحث على العمل الحثيث لقطف الثمار متمثلا بتوجيه أشرعة المركب :
وجهّوا أشرعةَ الإبحارِ حتى
يسعف المركبَ تيارُ الرياحِ
بينما الشاعر فيصل عبدعلي يتجه لتصوير الحرب وكأنها عروس مهرها الأرواح والدماء :
جنها عروس اخذت مهر أرواح وادموم
وغيرخفي ما للصورة الحسية من قدرة على الوصول للنفس ...بينما الصورة الخيالية قد تأخذ وقتا للوصول إلى منطقة الإقناع والإدراك ...لذا من الطبيعي أن يقتنع السامع كلية الإقناع بقول الشاعر فيصل النوري :
لا يحكمُ العالمُ عدلٌ وفيه السيفُ قانون
فهذا المثل أقدر على التمكن من القناعة والتغلغل في القبول ..ولكل شاعر قدرة مفردات وأسلوب واهتمام ... الشاعر علي فضل يصور الأنصار واستدارتهم حول سيدهم في مثل جميل فيقول :
جنه أنصاره كواكب حاوطت شمس المضيه
ويقول أصحاب الأدب في تعريف المثل القياسي إنه سرد وصفي أو قصصي أو تصويري لتوضيح فكرة عن طريق تشبيه شيء بشئ لتقريب المعقول من المحسوس لغرض التأديب ...ولك أن تتمعن فيما يقول الشاعر سيد ناصر العلوي :
كلُ نفسٍ سكنت في قبرِ اذلالٍ
تحسدُ النجمَ الذي يسكنُ في القمه
تراه يعرض الحالة النفسية المتردية في الذل حين تمد ناظرها بما فيها من ضعف لأعلى السماوات وبحسد تحاول أن تطال من ألق نجم سكن الأفق الأعلى بينما هي في قعر الذل ...وللسيد ناصر في هذا الجانب أمثلة أخرى ومنها:
ولا غرابةٌ إذا اسودت نفوسٌ
ضعفُ البناءِ جاء من ضعفِ الأساس
وهذه صورة أخرى تحاول تحليل الأسباب الحقيقية للضعف البشري ...ولا غرابة من أي ضعف تكون بدايته لم يعتن بها فتكون النتيجة عائدة على المقدمات الأولية ... عندما ننطلق فنسمع (الميداني) في تشخيصه للمثل يقول :يجتمع في المثل أربعةٌ لاتجتمع في غيره من الكلام ...إيجاز في اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية فهو نهاية البلاغة .... وساعة نقرا نصا للشاعر نادر التتان يقول :
ماينفع الحين العتب
صار الذي صار
تجدنا نلمس فيه إيجازا سريعا مؤديا لنهاية مختومة بالتسليم في مفردات بسيطة مؤدية ...بينما لو قرأت نصا آخر للسيد ناصر العلوي يقول:
والثعالب من تأمّنها البلد ..ضاع البلد
تجدنا نلمس فيه جمال التشبيه حين يعكس صفات ووظائف الإنسان على الحيوان وجعل الإنسان متشحا بالطبائع الثعلبية من مكر وطمع وعواقب وخيمة ... وللدخول في بحر الأمثال الواردة لدى شعراء الموكب نحتاج لوقت طويل لاستقراء الصور والحالات المستخدمة عندهم وذلك حين تتوفر نصوصهم ...وكل الأمثال الواردة هي تعتني بالتهذيب والدعوة إلى إصلاح الذات والعودة إلى الساحة الإلهية ...ولك أن تسمع الشاعر فيصل النوري يقول:
فمهما طالت الرُؤيا
يعودُ الفرعُ للأصلِ
يرسم الشاعر صورة تلامس الخيال ممثلة في الرؤيا حيث لا ملموس لها وإنما هي في ذهن الرائي ويعود ليربطها بالواقع والاستفاقة ليعود الفرع للأصل وتعود النفس إلى الجسد ...أستطيع أن أقول أن قدرة الشاعر على صناعة المثل تنبع من ملكة فنية راقية في التفتيش في مخابئ الخيال وانتقاء أجمل طيوفاته وامتلاك زمام صياغتها وإخراجها ... وأخيرا نختم بشاهد للسيد ناصر العلوي :
فسارقٌ يسرقُ حلمَها
ويدعي بأنّه حليم
ببراعة تمكن الشاعر من الجمع بين (الحُلُم) و0الحِلم)..الأولى تعادل الرؤيا والثانية تعادل الهدوء...كذلك الجمع بين السرقة والإدعاء تجعل النص مثلاً أجاد الموازنة بين المعاني والمفردات ... ولربما كنا نحتاج لإمعانٍ أكثر في نصوص الأمثال لاستخراج ما فيها من إبداعات شعراء الموكب

عبدالشهيد الثور -19 أغسطس 2017م

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع