شارك هذا الموضوع

الدرس الخامس: العدل الإلهي (2)

ما هو السر في حدوث الآفات الطبيعية؟
هل وجود المعاقين من بني البشر يتنافى مع عدالة الله؟
وهل أن اختلاف المخلوقات في الفقر والغنى وما شابه ذلك مخالف للعدل؟

 
بعد أن عرفنا أن الله تعالى عادل، ولا يمكن أن يصدر عنه ظلم لأحد، وبما أن حصول الشر للبشر هو لون من ألوان الظلم فقد يخطر ببال البعض أن يوجهوا بعض الملاحظات على القول بالعدل الإلهي، ومن المناسب أن نطلع عليها وعلى أجوبتها ليزداد إيماننا وتقوى عقيدتنا.
 
إشكالات على القول بالعدل:
يمكن أن نرى في هذا الوجود ثلاثة أنواع من الشرور التي مصدرها الله تعالى، وهذا ما لا يتناسب مع القول بأنه لا يفعل إلا ما هو عدل ولا يضع الأمور إلا في مواضعها، وهذه الشرور الثلاثة هي:


الأول: الآفات الكونية:
والمراد هنا الآفات والظواهر الكونية كالزلازل والبراكين والسيول والعواصف الثلجية المدمرة والرياح العاتية التي تهلك الطبيعة فضلاً عن البشر، وليس لها من فاعل سوى الله عز وجل فكيف يعقل صدورها عنه وهو العادل المطلق؟


الثاني: التشوه البشري:
والمقصود من ذلك ما نراه من ولادة الأطفال المشوهين وأصحاب العاهات، وكما هو معلوم فإن قضية خلق البشر مختصة بالله عز وجل، فما هو ذنب هذا الطفل ليولد معوقاً ويعيش سائر أيام حياته في معاناة وألم، واين العدل في ذلك؟


الثالث: المخلوقات الضارة:
حيث نرى في هذا الوجود الوحوش الفتاكة والأفاعي السامة والحشرات المؤذية، وما شابه ذلك مما ضرره على الإنسان كبير جداً، بحيث يحق لنا أن نتساءل عن الحكمة في هذا الخلق، وهل هذا العمل يتناسب مع العدل الإلهي؟


والجواب عن الأسئلة الثلاث متوقف على فهم مقدمة بسيطة، هي:


انه ليس في هذا العالم المادي الذي نعيشه ما هو خير مطلق، بمعنى أن يكون كله خيراً محضاً، ولا ما هو شر محض، فكل ما في هذا الوجود المادي له جنبتان، جنبة خير وجنبة شر، وهو ما يسمى بالخير النسبي والشر النسبي.


فبما أنه لا يمكن وجود ما هو خير مطلق في العالم المادي فإن العدل يقتضي أن يخلق الله تعالى ما كان خيره أكثر من شره، فيكون ما فيه من شر قليل قد عُوِّض بما فيه من خير كثير.


وما ذكر من آفات وشرور وإن كانت تبدو للوهلة الأولى أنها شرور بحتة لبعض الأفراد، ولكنها ذوات خير عميم للعالم وللمجتمع ككل. فمثلاً تحتاج الأرض إلى الحرارة الكامنة في جوفها لكي يمكن لها أن تخرج نباتاتها حتى يتمكن الإنسان من تأمين غذائه والعيش على ظهرها، ولكن مشكلة هذه الحرارة أنها قد تحتقن في جوفها وتهددها بالإنفجار، فأنعم الله على البشر بأن جعل لها منافذ لخروج هذه الحرارة المتراكمة وبين الفترة والأخرى وذلك على شكل براكين.


أما الذين يتأذون بالمفاجأة والمباغتة كما يحدث، أو في الزلازل أو غيرها فهذا جزء من الاختبار وطريقة ادارة الكون.
وأما السر في وجود بعض الحيوانات والحشرات التي قد يبدو لنا أنها بلا فائدة ولا خير فيها فهو ملاحظة النفع بالدرجة الأولى للإنسان نفسه، وقد تظهر لنا وجه النفع فيها وقد لا تظهر إلا بعد مدة من الزمن، وعلى وجه الإجمال نقول: إن وجود بعض الحيوانات ضروري للطبيعة وللإنسان كوجود النمل الذي يزرع الأشجار عندما يخبأ بذورها تحت الأرض، والنحل الذي يؤمن للإنسان غذاء هاماً كالعسل، ولكي لا تتكاثر هذه الحشرات كان من اللازم وجود حشرات أخرى معادية لها تفترسها فتحافظ على مستوى معين من وجودها. فإذا لاحظنا هذا المثال اتضح أمر سائر المخلوقات الأخرى.


وفيما يرتبط بولادة البشر المشوهين فهذا ظلم لهم قطعاً، ولكنه ظلم ناشئ من عمل الوالدين غالباً أو من عمل المجتمع ككل، فلو كانت الأم مثلاً مدمنة على الخمر أو المخدرات أو عاشت في بيئة ملوثة وغير صحية فسيترك كل ذلك أثره على الجنين. وهناك ذنوب وخطايا تفسد النطفة قد تخفى على الكثيرين هي المسبب الأهم لما يحصل في عالم الرحم.


والله تعالى يصور هذه النطفة الموجودة بالرحم بحسب ما هي، ولا يحمل الأهل المسؤولية لأنها نتيجة بغير أرادتهم ومثله في ذلك مثل الخباز الذي يخبز لك عجينك الذي جئته به، فلو جئت بعجين فاسد ستأخذ خبزاً فاسداً لا محالة. فالظلم هنا من البشر للبشر لا من الله للبشر، قال تعالى: "وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" أي يظلمون أنفسهم ويظلمون بعضهم البعض.


ومع ذلك فهذا جزء من الاختبار والابتلاء وليتمكن الانسان من مقارنة النِعَم ويرغب بعطاءات اللّه تعالى مع التضحية
فإن قيل لماذا لا يمنع الله تعالى البشر من أن يظلموا بعضهم البعض، فإنه يقال: ذلك يؤدي إلى الجبر، والله تعالى يريد أن يكون الإنسان مختاراً يفعل ما يريد، والخير في أن يكون الإنسان مختاراً أكبر من الظلم الذي قد يصدر عنه.


ثم إن وجود البلايا والأمراض يفيد البشر من جهات أخرى،  مثل أن يعرفهم نعمة الأمن والسلامة والصحة، ويذكرهم بالخالق العظيم القادر على إهلاك العصاة ويدفعهم إلى الرجوع إليه للاستعانة بقدرته العظيمة. قال تعالى: "فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون".
 
والخلاصة:
ليس في هذا الوجود مما هو من فعل الله سوى ما هو عدل وحكمة، أي على الأقل خيره أكثر من شره، وقد نجهل اليوم وجه الخير فيه، ولكننا ربما نعرفه غداً. وما فيه من ظلم وشر فهو صادر عن البشر باختيارهم.


للمطالعة:
البلاء للأولياء: إن‏َ الله إذا خصّ عبداً من عباده بلطف منه، يجعله عرضة للشدائد. والجملة المشهورة "البلاء للأولياء" تبيّن هذا الموضوع. وقد جاء عن الإمام الصادق (ع): "إن الله ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة" وجاء في حديث آخر للإمام الصادق (ع): "إن الله إذا أحب عبداً غتَه بالبلاء غتاً".


فكما أن مربي السباحة حين يأتيه من يحب تعلّمها، فهو يحمله على المحاولة وبذل الجهد ليصبح مروضاً ومتعلماً للسباحة، فبدون نزوله إلى الماء لا يسمي سباحاً، ولكنه يتعلم السباحة عندما يجد طريقه الى الماء ويجرب الصراع ضد الغرق، وأحياناً يواجه خطر الغرق عندما يتحرك بعيداً عن الشاطىء.


فلا بد أن يرى الإنسان في دنياه الشدائد حتى يتعلم طريق التخلص منها، ولا بد أن يواجه الصعوبات حتى ينضج ويتكامل.
ذات مرة، دُعي الرسول الأكرم (ص) إلى بيت أحد المسلمين، فلما حلّ فيه، لاحظ دجاجة تبيض على جدار البيت ثم لم تقع البيضة أو وقعت لم تنكسر، فتعجب الرسول الأكرم (ص) من هذا، فقال له صاحب الدار: أتعجب يا رسول الله؟ قسماً بالله الذي اصطفاك نبياً، إنَّني لم أُصَبْ أبداً بأذى.


فنهض الرسول (ص) وغادر المنزل، قائلاً: "من لم يَرَ مصيبة أبداً فهو بعيد عن لطف الله". وروي عن الصادق (ع): "إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل".
 


أسئلة حول الدرس
1. أذكر ثلاث آيات تتكلم عن العدل؟
2. كيف تستدل على عدله تعالى من خلال هذه الآية "... لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبُرَ مقتاً.."؟
3. عدد دواعي الظلم واثبت من خلالها عدل الله عزَّ وجلّ؟
 
تمارين
حدِّد الصحيح من الخطأ :
1. العدل فرع من فروع الدين يجب الإيمان به
2. العدل من الصفات الذاتية للباري عزّ وجلّ، كالعلم والقدرة
3. وجود الآفات والشرور في هذا الكون لا يتنافى مع عدل اللّه
4 . الأنبياء والأئمة (ع) يعدلون لأنَّهم معصومون

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع