شارك هذا الموضوع

الشيخ إبراهيم الصفا ليلة الرابع عشر من موسم رمضان لعام 1438 هـ

أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية لعام 1438 هـ ، وتحت عنوان " ملامح الشخصية التغيرية " إبتدأ سماحته بالآية المباركة من سورة الرعد " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ " القرآن الكريم و في الكثير من آياته ، يؤكد على أن شخصية المؤمن لا يمكن أن تتكامل إلا بعد الإيمان بمبدأ راسخ وهو التغيير ، الشخصية الإيمانية شخصية تغييرية لا تعرف الركاد ولا الجمود و أنّى للإنسان المؤمن أن يعيش الثبات و الجمود وامامه كدح ؟ ، من سورة الإنشقاق " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ " هناك كدح الى الرب ، هذه الحركة يلازمها التغيير ، كل حركة تعني تغيير من حال الى حال ، فإن أردت رُقيًا روحيًا كمالًا عند الله ، لابد من حركة ، مراتب القرب من الله لا حصر لها ، شخصية المؤمن شخصية متغيرة متجددة ، تسعى نحو الكدح لله ، الناس على مستوى التغيير ينقسمون الى قسمين ، شخصية تقبل التغيير وتعانق التغيير و تجعله منهجًا لها ، وشخصية تخشى من التغيير ، نعني بالتغيير الإيجابي ، إمّا ان يكون الكدح سلبيًا أو إيجابيًا ، الكدح الإيجابي مقربٌ لله ، هناك نوعان من الشخصيات ، الشخصية النمطية التشابهية و الشخصية التغييرية الفروقية فما الفرق بينهما ؟
الشخص النمطي هو الذي يلازم حالًا واحد و يتنكّر للتغيير ، و التغيير بالنسبلة له شيءٌ مستوحش ، ويلازم نمط محدد و نظام محدد ، و يحافظ على نمطه وسلوكه و طريقه وأسلوبه ، الإنسان النمطي انسان صحيح لكنه لا يميل الى التجديد و التغيير ، الشخصية الفروقية تسعى دائمًا للتغيير ، على مستوى اللباس و المسير وكل شيء ، إما أن يكون الإنسان غالبٌ عليه الميل نحو الثبات و الخشية من التغيير أو أن يكون فروقيًا ، مغامرًا يبحث لأي وسيلة أخرى ليصل الى هدفه ، الإسلام جعل قرار التتغيير يتحمله الإنسان ، نحن في موسم التغيير في هذا الشهر ، في مقام التغيير الروحي ، الذين يخرجون من شهر الله من دون تغيير أطلق عليهم رسول الله ( ص ) الأشقياء ، " الشقي الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر " ، الإنتقال من حالة البعد من الله الى حالة القرب الى الله تغيير ، البعد من الظلمات والمعاصي الى النور تغييرًا ، حضورك مجالس الذكر تغييرًا ، صلاة الجماعة من بعد الفرادى تغيير أيضًا .
سمات الشخصية التغييرية القرآنية أشار اليها القرآن الكريم ، وعززتها نصوص أهل البيت عليهم السلام ، أول معالم و صفات الشخصية التغييرية ، انها شخصية متحررة ، التحرر مفهومٌ قد يُقرأ سلبيًا وقد يقرأ إيجابيًا ، الغرب يضرب على وتر التحرر ، وطالبوا المرأة المسلمة بضرورة التحرّر ، و أن تكسّر قيود الدين و تنزع الحجاب وتخرج سافرةً متبرّجة ، يطالبون شبابنا بالتحرر ، و أن يطؤوا بأقدامهم تعاليم السماء ويمارسون ما يشتهون منه من غرائز وشهوات ، لابد أن نكسر قيود التغيير ، قطع كل الروابط التي تربطك بالأرض و الدنيا و اسع الى العروج ، من المناجاة الشعبانية " إلهي هَب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حُجُب النور ، فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا مُعلقة بعزّ قدسك " لن تنفتح البصيرة إن كانت أسيرة ، ولن تتفتق بصائر العباد القلبية إن كانت مقيدة ، إسأل الله أن يوفقك لأن تكون حرّا من كل القيود فهي كثيرة ، هناك قيود داخلية كالمعتقدات السلبية ، وهي ما نؤمن نحن به وليس العقيدة الدينية ، أي أن يعتقد الإنسان بفكرة الفشل أو الضعف أو يعتقد بأنه تحت وطأة الفقر و الحرمان ، فسيبقى كذلك ، يطلق على ذلك الصوت بالصوت القاتل وهي الرسائل السلبية التي تأتي من النفس ، هذه النظرة وهذا الصوت الذي ينفث في النفس وسواسًا لابدّ ان يُقطع ، من القيود أيضًا الرسائل الخارجية التي تثّبط و تعجز من الآخرين وتحول بينك وبين التغيير ، لابد من رفع المانع ، القرآن عبّر عنهم بالأعداء ، الإنسان لابد أن ينظر الى كل معوق يحول بينه وبين التغيير الإيجابي .
الصفة الثانية من صفات الشخصية التغييرة في القرآن أنها شخصية ناقدة ، ناقدة لذاتها ونفسها ، ما لم تؤمن بأن شخصيتك ناقصة لن تسعَ نحو الكمال ، اذا اعتقدت أنك بلغت ذروة العلم لن تتعلم ، والعابد الذي يعتقد بأنه وصل ذروة العبادة لن يتعبّد ، لابدّ أن تتلمس جوانب الضعف و النقص و العجز فيك كي تتحرك ، الله يريد من العباد أن يكونوا في حركة دائمة ، حيث وسمهم في سورة فاطر " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ " انت فقير إذن اسع نحو الكمال و الله هو الغني ، هناك الرتبة العليا و أنت في الرتبة الدنيا ، تلمّس النقص في ذاتك لتسدّه ، انتقد شخصيتك ، و تلمس ملامح النقص ، فالمبتلى بكثرة الاكل و المبتلى بالنوم و الضحك ، آخر مُبتلى بالجفاف الروحي و قطع صلة الرحم و الخوف و الكذب وغيرها مما ينبغي أن نجد له حلًّا ، البعض مبتلى بقطع القرآن ، فلا يفتحه الا في ربيع القرآن ، صلواتنا تحتاج الى علاج ، لنسعى الى كمالها بأن نضمّ الجماعة لها ، العلم والبصيرة بحاجة الى الكمال ، إنتقد ذاتك وتلمّس جوانب الضعف لتجد أن التغيير ضرورة . عن علي عليه السلام "أعظَمُ الجهلِ جهلُ الإنسانِ أمرَ نفسهِ" ، " من لم يعرف نفسه .. بعُد عن سبيل النجاة وخبط في الضلال و الجهالات " ، لا يكون النقدُ سلبيّا ، كُن منصفًا ، إجعل حياتك الزوجية تحت النقض ، إجعل حياتك الوظيفية تحت النقد ، قس حجم البر لوالديك ، ولك أن تتسع في مجالات الحياة .علماء التنمية يقسمون متى إدراك الإنسان لنفسه أربع مناطق ، الاولى هي المنطقة الواضحة والشفافة ، حيث تعرفها أنت وغيرك يعرفها من صفايا وسجايا ومعلومات ، حاول أن توسّعها ، المنطقة الثانية هي منطقة القناع ، وهي ما يعرفه الإنسان عن نفسه و لا يعرفه الآخرون عنه ، ليس بالضرورة أن يعرف عنك الناس بالخير ، المنطقة الثالثة هي المنطقة العمياء هي ما يعرفه الناس عنك و أنت لا تعرفه ، أنت فرد في المجتمع ، إن كنت أبًا ، فأولادك يعرفون أمورًا لا تعرفها و ان كنت زوجًا فزوجتك تعرف عنك أمورًا لا تعرفها ، المنطقة الرابعة هي المنطقة المجهولة ، منطقة خارجة عن إدراكك أنت وعن إدراك الآخرين ، كيف يكون الإنسان في مواقف لم يواجهها ؟ تجد البعض متزنًا في أمورٍ ولكن إذا حلّت الطامّة او المصيبة لا تعرف ردة فعله .
الصفة الثالثة من سمات الشخصية التغييرية ، انها تملك روح التجدّد ، هناك من لا يملك تلك الروح وان أحب التغيير ، " إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم " ، " روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي " ، الصفة الرابعة أن شخصية الإنسان التغييرية تتسم بالتخطيط و التدبير الصحيح ، اليوم زمان من أربع وعشرين ساعة ، فكيف تستثمر هذا الظرف الزماني ؟ اذا خططت بشكل صحيح فستستثمرها بشكل صحيح ، " إجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعاتٍ: ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقاتِ الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للّذاتكم في غير مُحرّم " و المقصود بالساعة جزءٌ من الزمن ، لابد للإنسان ان يكون منظمًا . شهر رمضان ثلاثون ليلة وكلنا ضيوفُ الله ، لابدّ للإنسان أن يحاسب نفسه ، و أن يستغل وقته و أن يسعى للتغيير ، شهر الله نهرٌ عذب ، تنقى فيه القلوب و العقول وتزال فيه الخلافات ، يجب أن يغسل هذا الشهر كل ما يترفّع عنه المؤمن ، أنت قادرٌ على التغيير وان كان هناك ما يقيدك ، حاول أن تتحرر من القيود و لا تجعل المعوّقات في طريقك تحول بينك و بين الكمال .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع