شارك هذا الموضوع

الصفا ليلة الثالث عشر من شهر رمضان المبارك 1438 هـ

أكمل سماحة الشيخ إبراهيم الصفا سلسلة محاضراته الرمضانية ، وذلك لليلة الثالثة عشر من شهر رمضان المبارك لعام 1438 هـ ، وتحت عنوان " الإلحاد وحصون الدين " إبتدأ سماحته بحديث للإمام جعفر الصادق عليه السلام " بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة " ، من خلال هذا النص القصير في كلماته ، الكثير في عطائه ، يشير الى نقاط ثلاثة ، الأولى المسؤولية الكبرى التي يتحملها الأبوان وهي مسؤولة تربوية يتوجب عليهما رعاية أبنائهم رعاية سليمة و أن لا تقتصر على البعد الجسماني ، بل الرعاية على قدر ما هي جسمانية كذلك روحية وعقلية ، " بادروا " دفع من الإمام و تحفيزٌ من الإمام للأبوين أن لا تكون خطواتهم التربوية ردة فعل ، بل عين الفعل ، لا تنتظر أن تتسلل الأباطيل الى عقول أبناءك ثم تبدأ في العلاج ، يتوجب على كل أبٍ أن يبادر بمحادثة أبنائه أي التعليم ، كما أنّ الأبوان يتحمّلان وضع الأبناء على الصحة الجسمانية ، اعط جرعات من المناعة الى عقل الابن و البنت أمام الأفكار الباطلية .
النقطة الثانية أن الأمراض ليست بالضرورة جسمانة بل هناك أمراض عقلية ، وليس المقصود بالأمراض العقلية أي الاخلال في الإدراك الذي يعالج بالطب النفسي ، إنما نقصد الشبهات و الأباطيل و النظريات الباطلة وكما نعبر عنها بالحرب الآيدلوجية ، حرب عقائدية بامتياز تسعى للنيل من عقول الأبناء ، مرحلة الصبا و الشباب هي المرحلة التي يستهدف أهل الضلال فيها الأبناء ، فلم يصل الأبناء بعد للنضج المعرفي والدراية والخبرة الكافية التي يكون فيها قادرًا على التمييز بين الحقّ و الباطل ، يوجد استعدادٌ و أرضية خصبة ، النقطة الثالثة ، إمامنا الصادق عليه السلام في مقام التحذير من تيار عقائدي فكري منحرف ، والتيارات و القضايا التنظيرية المنحرفة لم توجد في زماننا بحسب ، المرجئة فئة ضالة في صدر الإسلام لها آرائها المنحرفة ، وهذا المد المنحرف لا يتوقف ، ها نحن ذا في زمن نعاصر فيه أصناف المد الفكري الخطير كالشيوعية التي حرفت معها الكثير من الناس ونحن اليوم في زمن الإلحاد ، عندما نقف وقفة اسلامية مع الإلحاد يتهاوى على وجهه ، و يمكن أن نردعه بالرجوع للحصون الإسلامية .
ما هي الحصون الإسلامية المنيعة التي يتوجب على جميع المسلمين أن يتسلّحوا بها ، الحصن الأول ، إنه العقل ، عندما نقف مع الرؤيا الإسلامية للعقل فإن فيه خصائص كثيرة ، فقد كرّم الله عز وجل هذا العقل ، ووجوده في أبناء النوع البشري على حدٍّ سواء ، جعل الله ميزان المؤاخذة والتكليف العقل ، وهو الحجة الباطنة ، المنهج مع الملحدين يجب أن يكون عقليًا ، لا بالأحاديث و القرآن لأنهم لم يثبتوا وجود الله عز وجل ، لأن الملحدون أساس نظريتهم نكران الخالق ، العقل يفرغ قواعد متسالمة ، القاعدة العقلية الأولية هي قانون العلّية ، أن العقول الإنسانية مطلقًا بغضّ النظر عن انتمائها العنصري و الديني و الجغرافي أن يؤمن لكل مصنوع صانع ولكل موجود موجد ، متى ما فرضت وجود الشيء فلابد أن يكون لهذا الموجود موجد ، العلة الصانعة قد يعبّر عنها بالقوة أو الجسيم الإلهي ، لابد من وراء هذا العالَم المصنوع من صانع .
القانون العقلائي الثاني الذي يفضي الى ضرورة وجود قوة خالقة ، قانون التناقض ، لايمكن أن يكون الشيء موجود و غير موجود في نفس الوقت و المكان ، لأن وجود النقيضان محال ، أحدهما وجودي و الآخر عدمي ، التناقض باطل ، لا يقبل ذلك العقلاء ، المادة الأولى التي منها وجد الوجود ، هذا الوجود ذاتيٌّ فيها أو عرضي ؟ .. يقولون عرضي .. إذًا سبقها عدم ، فإذا كانت معدومة فكيف يكون المعدوم موجودًا !؟ أما اذا كانت عدم فالعدم تعني اللاشيئية ، فكيف للاشيء أن يوجد شيئًا ؟! لأن العدم لا يفرز العدم ، بل يوجد الوجود وجودًا ، ودائما يطلق عليها المادة لأنه مبني على المنهج التجريبي وهذا يمكن فقط فيه اثبات المواد التي يمكن اخضاعها للتجارب المختبرية ، ولذلك أنكروا وجود الملائكة و الروح و الله و البرزخ و القيامة و ما وراء هذا العالم وغيرها ، مفهوم شريكٌ للباري ، له وجود ذهني وليس له وجودٌ خارجي ، الله هو العلة الصانعة الخالقة ، لو كان معدوما ثم وجد لا بد من وجود علة أوجدته.
القانون العقلي الثالث هو بطلان التسلسل ، عندما نفرض شيء موجود ، هذا الموجود (ألف) له مُوجِد (باء) ، والموجود (باء) له مُوجِد (جيم) ، و الموجود (جيم) له مُوجد (دال) وهكذا ... ، لو تسلسلت العلل ، منطقيًا وعقليًا ، لو قلنا أن العلل لا نهاية لها ، العقل يقول بأنها هذه العلل لابد ان تنتهي ، إذا بطل التسلسل ، لابد ان تنتهي سلسلة الموجودات الى علّة غنية عن الموجد ، هذه العلة التي وجودها ذاتيّ و لا تفتقر الى موجد هو الله ، هذه العلة التي وجودها ذاتي .. وجودك انت ممكن الوجود والله واجب الوجود ، ممكن الوجود يتساوى وجوده وعدمه ، - فإذا انا لم أوجد لما تعطل الوجود ، و إذا وجدت لا أُضيف الا قليلًا بقدري وحسبي لأجسد عبودية الله في الأرض - ، أما واجب الوجود يستحيل فرض عدمه ، عدمه يعني عدم وجود الموجودات ، لأنه هو المفيض للوجود ، علة العلل هو الله ووجوده ذاتي وهو العلّة الأولى .
القاعدة الرابعة في اطار الحصن الأول العقلي ، أن المعرفة تارة تكون إنية وتارة تكول لمية ، الإنّي أن تصل من المعلول الى العلة ، من الأثر الى المؤثر ، من الدخان الى النار ، اذا رأيت الدخان قطعت بوجود النار ولو من مسافة بعيدة حتى لو لم تتحسسها ، السير نحو العلّة من خلال آثارها ، الطريق اللمي من العلّة للآثار ، فلو أتيت للمختبر .. تصل الى آثار و خصائص بتحليلك لنفس المادة ، عندما ترى البناء ويكون البناء جميل ، تقول بأن صانع هذا البناء ذكي وعالم و بارع ، فلو رأينا الذرة والمجرة وما في هذا الكون فلابد له من خالق عالم حكيم و قادر ، قدرة و علم وحكمة ، هذا النظام الكوني و استمرار انتظام الأفلاك ، هذا الطريق الإني هو الطريق الإبراهيمي .
الحصن الثاني هو العلم ، العلم حصن منيع أكّد عليه الدين الحنيف ، العلم مصباح العقل ، هذا العقل يضعف ما لم يغذى بالعلم ، اذا أردت لعقلك أن يتوهّج ، عليك أن تُغذّيه بعلم ، بالعلم يُعرف الله ، و أن تصل الى الحقائق فهو سلم ، النقطة الأولى لقد اكّد الإسلام على أنّ العلم ينقسم الى قسمين ، علم واجب وهو الذي يشكل المناعة للمؤمنين ، :"دَخَلَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلم الْمَسْجِدَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقيلَ: عَلاَّمَةٌ، فَقَالَ: وَمَا الْعَلاَّمَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيّامِ الجَاهِلِيَّةِ وَالأَشْعَارِ العَرَبِيَّةِ، قَالِ: فَقَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم: ذاكَ عِلْمٌ لاَ يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ وَلاَ يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم: إنَّما العِلْمُ ثَلاَثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلاهُنَّ فَهُو فَضْلٌ " . وعلم مستحب ، العلم حصيلة معرفية ، هناك علمٌ تكسبي لا نتحدث عنه ، بل نتحدث عن علم اكتسابي الذي يتحصّله المثقّف من قراءته و استماعه ، مُعيبٌ على المؤمن أن تمضي الأيام والليال و لا يفتح كتابًا واحدًا ، ولا يتفقّه في عقيدته .
الحصن الثالث هو سلاح الفقه ، وهو سلاحٌ مهم على اعتبار أن الفقه الإسلامي يُحقّق أحكامًا ، عدم جواز قراءة كتب الضلال بمختلف أنواعها ، يجوز لمن يكون قادرًا على الردّ عليها ، أمّا من لا يكون قادرًا فلا يجوز له ذلك وهو متفق عليه لدى جميع الفقهاء ، لأنها تهدد عقول الناس وتعرّضه لأسباب الغواية والضلال .. الحكم الآخر هو عدم جواز التعرّب بعد الهجرة ، أي الهجرة الى بلد يكون فيه غير قادر أن يصل للأحكام الشرعية و إقامة شعائر الله بعد إذ كان في مكان يكون له ذلك ، و غير ذلك من الأحكام .. ديننا الحنيف يصنع منّا عقولًا من خلال إكرام العقل و إكرام العلم و إكرام العقل ، حينئذ نشكل الرادع و نحافظ على الدين .


التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع