شارك هذا الموضوع

مقدمة لدروس الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
 
أهمية الأخلاق


إن الأخبار الشريفة قد أبدت اهتماماً بمكارم الأخلاق أكثر من أي شيء آخر بعد الاهتمام بالمعارف الإلهية . بل المستفاد من الحديث السابق أن سبب بعث الأنبياء ، والدافع لدعوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ، هو إكمال مكارم الأخلاق .


إن أهمية الفضائل الخلقية أكبر من قدرتنا على شرحها وبسط الحديث فيها ، ولكن نكتفي بالإشارة إلى أن أساس الحياة الأبدية الأخروية ، ورأس مال العيش في تلك النشأة ، الخلق الفاضل والاتصاف بمكارم الأخلاق ، وإن الجنة الممنوحة للإنسان من جراء خلقه الكريم المسماة بجنة الصفات أفضل بكثير من جنة الأعمال الجسمانية ، فيها ما طاب ولذ بشكل أفضل وأحسن من النعم المادية الجسمانية ، كما وأن فيها ظلمات وأهوال نتيجة الأخلاق السيئة للإنسان أسوأ من أي عذاب أليم .


ولنذكر بعض الأحاديث الشريفة في هذا المضمار :
- حسن الخلق نعمة إلهية : عن الإمام الصادق  : " إن الله خصّ رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بمكارم الأخلاق ، فامتحنوا أنفسكم ، فإن كانت فيكم فاحمدوا الله وارغبوا إليه في الزيادة منها . فذركرها عشرةً : اليقين والقناعة والصبر والشكر والحلم وحسن الخلق والسخاء والغيرة والشجاعة والمروة " .


- محبة الله : وعنه  :" عليكم بمكارم الأخلاق فإن الله عز وجل يحبها وإياكم ومذام الأفعال فإن الله يبغضها – إلى أن قال – وعليكم بحسن الخلق فإنه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم ".
- كمال الإيمان : عن الإمام الباقر  :" إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ".


- أثره في قبول التوبة : عن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم : " أبى الله عز وجل لصاحب الخلق السيئ بالتوبة ، قيل : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه ".


- أثره في الدنيا : عن أبي عبد الله الإمام الصادق  :" البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في
الأعمار ".


- أثره في الآخرة : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :" أكثر ما تلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق ".
 
ما هي الأخلاق ؟
 الخلق هو عبارة عن حالة نفسية ، تدفع الإنسان نحو العمل من دون تروي وتفكر . فمثلاً إن الذي يتمتع بالسخاء ، يدفعه خلقه هذا إلى الجود والإنفاق من دون حاجة إلى تنظيم مقدمات وترتيب مرجحات . وكأن هذا الخلق غدا من الأمور الطبيعية للإنسان مثل النظر والسمع . وكذلك النفس العفيفة التي أصبحت العفة خلقاً لها وجزءاً طبيعياً لها .


فإذا بلغ الخلق مستوى الأفعال الطبيعية في الإنسان ، وغدا من قبيل القوى والوسائل ، وظهرت سلطنة الحق وقهره ، صار زواله صعباً ونادراً .
وما دامت النفس لم تبلغ هذا المستوى من التجذر الخلقي بواسطة التفكر والتدبر والترويض ، لم يكن لها أخلاق وكمال ، ويُخشى أن تغلب عليها العادات والخلق السيئ .


نشير إلى إن علماء الأخلاق أرجعوا كافة الفضائل النفسية إلى أمور أربعة هي :
1 -  الحكمة : حيث اعتبروا الحكمة فضيلة للنفس العاقلة التي تميّز الإنسان عن غيره .
2 – الشجاعة : وهي من فضائل النفس الغضبية .
3 – العفة : وهي من فضائل النفس الشهوية .
4 – العدالة : وهي ترعى الفضائل الثلاثة .


فجميع الفضائل الأخلاقية تندرج تحت هذه الأمور الأربعة ، وترجع إليها .
 
مصدر إلهام الخُلق
هناك عدة أمور توحي للإنسان بهذه الحالات والخلق النفسية ، منها :


ما ذكره علماء الأخلاق من أن هذه الخلق النفسية قد تكون في طبيعة الإنسان وفطرته ، ومرتبطة بمزاج الإنسان من دون فرق بين ما هو خير وسعادة أو شر وشقاء . ونحن نرى بعض الناس منذ نعومة أظافرهم يرغبون في الخير ، وبعضهم ينزع نحو الشر . وأن البعض يُثار بأدنى شيء ، ويستوحش من عمل بسيط ، ويخاف من أقل سبب ، وبعض يكون على عكس ذلك .


وبعض هذه الخلق النفسانية قد تحصل من خلال العِشرة والتأثر بالمحيط ، أو من خلال العادات التي يكتسبها الإنسان بشكل أو بآخر .
وقد تحصل نتيجة التفكر والتروي حتى يبلغ مستوى الحالة المتأصّلة في نفسه .
 
إمكانية تغيير الأخلاق
عندما نقول أن الخلق النفسية طبيعية وفطرية ، لا نقصد أنها ذاتية وغير خاضعة للتغيير . بل إن جميع المَلكات والخلق النفسية قابلة للتبدل والتحول ، ما دامت النفس تعيش في هذا العالم ، عالم التغير والتبدل ، وتخضع للزمان والتجدد ، وتملك القابلية والاستعداد . بل يستطيع الإنسان أن يغير خلقه النفسي ويحوله إلى أضداده .


ويدلنا على ذلك – بالإضافة إلى البراهين العقلية والتجارب المحسوسة – دعوة الأنبياء والشرائع الحقة الناس للتخلق بالصفات الحميدة ، والابتعاد عما يقابلها من الخلق السيئ ، فلو لم يكن ممكناً لما كان هناك معنى لهذه الدعوة .


يستطيع الإنسان ما دام حياً أن ينقذ نفسه من هذه الظلمات ويبلغ بها عالم الأنوار . نعم هو قادر على بلوغ ذلك ، لكن لا مع هذه البرودة والخمود والفتور والإهمال الذي أصابنا ، حيث نرى جميعاً أننا منذ أيام الطفولة ننمو على الخلق الذميم والسلوك المنحرف ، الذي اقترفناه من جراء هذه الحالات السيئة من العِشرة اللامسؤولة ، والاختلاط غير اللائق ، وبدل إزالتها نحافظ عليها ، بل نضيف إليها في كل يوم جريرة أخرى ، وكأننا لا نعتقد بوجود عالم آخر ونشأة باقية أخرى .


إن الأنبياء قد وضعوا بين أيدينا طرق السعادة ، ثم قام العلماء والحكماء بتفسير أحاديثهم لنا ، ولكننا امتنعنا عن الاستيعاب ، فنحن المقصرون كما ورد في بعض الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فإن لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك " .

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع