شارك هذا الموضوع

الإمام الرضا (ع) و ولاية العهد






  يتعرض الباحثون حول الإمام الرضا عليه السلام عندما تأتي ذكرى شهادته، أو ذكرى ولادته، غالباً إلى نقطة محددة، ويركزون عليها، وهي مسألة ولاية العهد، ولعل السر في ذلك يعود لكونهم يعتبرون هذه المفردة، هي أبرز المفردات التي تظهر في سيرة الإمام عليه السلام. إلا أن تسليط الضوء على هذه الناحية مجردة عن دراسة الظروف السياسية التي عايشها الإمام الرضا عليه السلام يجعل الصورة لا تخلو عن شيء من التشويش، وعدم الوضوح. من هنا نجعل حديثنا، في المقام حول الوضع السياسي الذي عايشه الإمام الرضا عليه السلام، ثم نعطف عنان الكلام إلى الحديث شيئاً ما حول ولاية العهد والظروف التي دعت إلى إعطاء المأمون ذلك للإمام الرضا عليه السلام.





الوضع السياسي



يمكننا أن نقسم الوضع السياسي الذي عايشه الإمام الرضا عليه السلام إلى مرحلتين:



    المرحلة الأولى:



    وهي مرحلة حكم المهدي والهادي والرشيد، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة قاسية صعبة على أهل البيت عليه السلام، وعلى عميد الطالبيـين في ذلك الوقت الإمام موسى عليه السلام. لقد عايش الإمام الرضا عليه السلام هذه المرحلة الصعبة في ظل أبيه الإمام موسى عليه السلام، وكان يشاهده وهو ينقل من سجن إلى سجن، وكيف كان يلاحق من قبل حكومة الرشيد والهادي ويضيق عليه. كما شهد عليه السلام مذبحة فخ، التي استشهد فيها الحسين بن علي بن الحسن، وكوكبة من أهل البيت عليه السلام . ورأى عليه السلام مطاردة العلويين، وهدم دورهم، ومصادرة أموالهم، وإدخالهم السجون من قبل الهادي.



    المرحلة الثانية:



    وهي التي تبدأ بشهادة الإمام الكاظم عليه السلام وتولي الإمام الرضا عليه السلام قيادة الإمة في أيام هارون الرشيد. وفي هذه المرحلة نلاحظ أن الرشيد لم يتعرض للإمام الرضا عليه السلام بسوء قط. وقد أشار الإمام الرضا عليه السلام إلى أصحابه لما أظهروا الخوف عليه من قبل هارون، بأنه لا يد له عليه، ولن يصله منه سوء. نعم لقد كان لثورات العلويين عليه مردود كما كانت ذات مردود على أبيه الكاظم عليه السلام، فقد انعكست ثورة محمد بن جعفر عليه، إذ لما ظفر به الرشيد على يد قائده الجلودي، الذي أمره أن ينتقم من آل أبي طالب وأن يقتل محمد بن جعفر إن ظفر به، ونفذ الجلودي أوامر الرشيد، فأغار على بيوت الطالبيـين والأسر العلوية، وكان في طليعة من أصابته المحنة والأذى الإمام علي الرضاعليه السلام، فقد جاء في عيون أخبار الرضاعليه السلام: وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بالمدينة بعثه الرشيد وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه وأن يغير على دور آل أبي طالب وأن يسلب نسائهم ولا يدع على واحدة منهن ثوباً واحداً، ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر فصار الجلودي إلى دار أبي الحسن الرضا، هجم على داره مع خيله فلما نظر إليه الرضا عليه السلام جعل النساء كلهن في بيت ووقف على باب البيت، فقال الجلودي لأبي الحسن:لابد من أن أدخل البيت فاسلبهن كما أمر أمير المؤمنين، فقال الرضا عليه السلام: أنا اسلبهن لك، وأحلف أني لا أدع عليهن شيئاً إلا أخذته، فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام، فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأوزارهن إلا أخذه منهن وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير.





    هذا وقد ظهر من هذه القضية المحنة التي كان يعانيها الإمام الرضا عليه السلام، كما كان يعاني آبائه الطاهرين عليه السلام.



ازدياد القواعد الشعبية لأهل البيت عليه السلام



انعكس تردي الوضع الأخلاقي والسياسي للحاكمين في تلك الفترة على الأمة، حيث لم يسلم منه أحد، مما أدى إلى اتجاه الرأي العام نحو أهل البيت عليه السلام وأئمتهم، فكان الرضا عليه السلام كجده وأبيه مفزعاً للأمة، وملجأ الاستغاثة. وكان عليه السلام يمثل موقع القيادة ومنصب الإمامة، وكانت القلوب تفيض بحبه والولاء له وتثق به لما ترى من ورعه وعلمه وتقاه وصدقه في القول والعمل، كما كان آبائه الطاهرون، وكما كانت الأمة معهم. ولهذا نرى الأمة دائماً تفزع لتأييد ثورات العلويين، وتعلن الولاء سراً وعلناً لمجرد سماعهم بحصول تحرك علوي. ولعل من العوامل التي ساعدت على التفاف الناس حول العلويين أيضاً لما كانت تراه الأمة، من المعاناة التي يعانيها العلويون من الجهاز الحاكم، سواء الأموي أم العباسي. وكلما ازدادت ثورات العباسيـين، أزاد تعاطف الأمة مع أهل البيت عليه السلام وبالأخص مع عميدهم علي الرضاعليه السلام، حتى لقد مال للولاء له بعض القادة والوزراء. بينما كانت الدولة العباسية في تلك الفترة تمر بمرحلة من الصراع الداخلي على السلطة، بين الأمين والمأمون. وقد كان للمأمون الانتصار على أخيه الأمين، ولما جلس على كرسي السلطة والحكم، رأى قوة التيار العلوي، فخشي منه. لهذا قرر أن يتعامل مع الرأي العام بحنكة ودبلوماسية، خصوصاً بعدما رأى فشل السيف والسجون وإراقة الدماء في مكافحة الانتفاضات وثورات آل علي عليه السلام . فرأى أن يعقد ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام ويجعله أحد أركان السلطة لتهدئة الخواطر، وامتصاص روح النقمة والثورة. وقد أدرك الإمام الرضا عليه السلام ذلك ورفض ولاية العهد، إلا أنه قبلها بعد ذلك مضطراً، لكونه قد تعرض للتهديد من قبل المأمون بالقتل.





ولاية العهد



ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد: أن المأمون خاطب الإمام الرضا عليه السلام فقال له:إني رأيت أن أوليك العهد أي الخلافة. فقال له: اعفني يا أمير المؤمنين، إنه لا طاقة لي بذلك، ولا قوة لي عليه. قال له: فإني موليك العهد من بعدي. فقال له: اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين. فقال له المأمون كلاماً فيه كالتهديد له على الامتناع عليه، وقال في كلامه: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وشرط فيمن خالف عنهم أن يضرب عنقه، ولابد من قبولك ما أريده منك فإني لا أجد محيصاً عنه . لماذا رفض الإمام عليه السلام الخلافة: وهنا سؤال يتبادر إلى الأذهان، لماذا رفض الإمام الرضا عليه السلام الخلافة، لما عرضها عليه المأمون، ألم تكن هذه فرصة للتغيير، كما أنها فرصة لتنفيذ مبادئه ووضع قيمه؟… ويتضح الجواب عن هذه السؤال ضمن النقاط الآتية:  1- لقد كان الإمام عليه السلام على علم مسبق بأن المأمون ليس صادقاً في دعواه إعطائه الخلافة، وإنما هي حديث لساني فقط. 2- إن تولي الإمام عليه السلام الخلافة، يعني جعله في موضع المسؤولية عن إدارة الأمور في كل أرجاء الدولة الإسلامية. ومن الواضح أن هذا بحاجة إلى وجود جهاز واعٍ يمتلك القدرة على تطبيق مقررات المنهج الإسلامي في الحكومة بكل أمانة وإخلاص. وإلا لو كان الغرض مجرد جلوس الإمام على كرسي الحكم، لكان بإمكانه عليه السلام أن يتسلم زمام الحكم على النحو الذي يتسلمه خلفاء بني العباس، خصوصاً وأنه كانت له قواعد شعبية ضخمة تسانده وتواليه. لكن مثل هذه القواعد لم تكن تصلح قاعدة لحكم الإمام عليه السلام لأن ارتباطها به عليه السلام كان ارتباطاً فكرياً غامضاً وعاماً يتسم فقط بالحماس العاطفي. هذه العاطفة التي استند لها بنو العباس ذلك الوقت وركبوا من خلالها موجها للوصول إلى الحكم. وعلى أي حال ليست المسألة مجرد عملية تغيير شكلي، بل هي عبارة عن بناء مضموني يقوم على أساس من الوعي والتفهم المخلص. فهل كان بإمكان الإمام عليه السلام أن يعمد إلى الأجهزة العباسية الموبوءة بكل ما تحمل من فساد وانحراف، ويطلب منها أن تطبق الإسلام وتقيم حدوده، لا ريب أن هذا لا يمكن قبوله. فإن قيل:إذا كان الأمر كما ذكرتم فلماذا قبل عليه السلام إذن ولاية العهد؟… قلنا: ذكرنا فيما تقدم أن قبوله ولاية العهد لم يكن عملاً اختيارياً، بل كان إكراهاً واضطهاداً سياسياً مغلفاً، عانى منه الإمام عليه السلام بعد أن ولي العهد لأنه كان يعلم أن المأمون إنما جعله في هذا المنصب من أجل أن يركز حكمه المنهار بسبب الأحداث التي واكبت حكومته.

دوافع المأمون
.



لماذا عرض المأمون على الرضا عليه السلام تولي الخلافة، ولما رفض عليه السلام وامتنع، عرض عليه ولاية العهد، وبنحو من الإلزام؟… هناك اتجاهان للإجابة على هذا التساؤل:



    الاتجاه الأول:



    هو الاتجاه الذي يقول، بأن السبب الذي دعى المأمون إلى ذلك هو تشيعه واعترافه بإمامة علي الرضا عليه السلام، حيث كان مؤمناً بخط الإمام علي عليه السلام، ويشهد لتشيعه عدة أمور:



        كان عطوفاً على العلويـين.

         قام برد فدك عليهم.





        جعل شتم معاوية سنة جارية، وفرضها على العامة، فقد أعلن يقول: أن برئت الذمة ممن يذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب.





        لقد كان مؤدبه منذ صغره شيعياً.





        استقراره في جهات خراسان التي يغلب عليها طابع التشيع لأهل البيت عليهم السلام .

        اعترافه هو بكونه من المتشيعين لأهل هذا البيت، فقد قال لأصحابه يوماً:أتدرون من علمني التشيع، قالوا: لا، قال:علمنيه الرشيد، قالوا: كيف؟ قال: لما دخل الإمام موسى بن جعفر على الرشيد في المدينة رأيت تواضع الرشيد له، وتعظيمه إياه بما ألفت نظري، قال:فلما خلا المجلس، قلت: يا أمير المؤمنين، من هذا الرجل الذي عظمته وأجللته وقمت من مجلسك إليه، فاستقبلته وأقعدته في صدر المجلس وجلست دونه، وأمرتنا بأخذ الركاب له؟ قال: هذا إمام الناس، وحجة الله على خلقه، وخليفته في عباده. فقلت: يا أمير المؤمنين، أليست هذه الصفات كلها لك وفيك؟ فقال: أنا إمام الجماعة في الظاهر بالغلبة والقهر، وموسى بن جعفر إمام حق، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله صلى الله عليه و آله مني ومن الخلق جميعاً، والله لو نازعتني هذا الأمر، لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم .



    الاتجاه الثاني:



    وهو الاتجاه الذي يرجع ذلك لوجود بعض الدوافع التي دعت المأمون إلى الإقدام على ذلك. وعلى أي حال، يمكننا أن نوفق بين الاتجاهين، إذ حتى على الاتجاه الأول، لا يعني تنازل المأمون للإمام عليه السلام هو حبه له، بل كانت هناك دوافع وأغراض أيضاً، دعته إلى ذلك، ومن ضمن تلك الدوافع، بناء على الاتجاه الأول الدافع الإيماني بالإمام عليه السلام. وعلى أي حال يمكننا أن نجمل تلك الدواعي والدوافع في أمور ثلاثة:



        الأول: إعطاء المأمون خلافته الصبغة الشرعية، وجعلها تعيش في حالة من الهدوء والاستقرار، لأن القواعد الشعبية التي كانت مؤمنة بالخلافة العباسية كانت تنظر إلى خلافته بنظرات من الشك والريب، لأنه قتل أخاه الأمين، الذي كان الخليفة الشرعي، وفعل به الأفاعيل، حتى لقد جيء له برأسه. فهذه النقطة أثارت هواجس وشكوك القواعد الشعبية، في أصل مشروعية خلافة المأمون، مما زعزع الثقة بمركزه وقوته.





        وبعبارة أخرى، لم تكن خلافة المأمون أمراً متسالماً عليه عند الجميع، بل فقد المأمون رصيده من بني العباس جميعاً. وفي المقابل كانت هناك القواعد الشعبية الشيعية التي لا تؤمن بمشروعية خلافة بني العباس أصلاً، وهي شريحة من المجتمع الإسلامي لم يكن للمأمون فيها نصيب. فهذا جعل المأمون يقتنع بأن خلافته بحاجة إلى ثوب شرعي، يسنده وهو في الحكم. ولهذا بادر إلى استدعاء الإمام عليه السلام صاحب الخلافة الشرعية، وكانت خطته أن ينـزع الخلافة ويعطيها إياه، ومن ثم يردها الإمام عليه السلام عليه بعد ذلك، فيكون هذا الرد من قبل الإمام عليه السلام كسباً للثوب الشرعي الذي تمناه المأمون لخلافته والتخلص من شبح عقدة عدم الشرعية. وبالجملة كانت خطة المأمون تتلخص في ثلاثة أمور:





        أن يجعل الإمام عليه السلام ورقة مساومة بينه وبين العباسيـين في بغداد.

        أن يجعله عليه السلام ورقة مساومة بينه وبين العلويـين.

        أن يجعله عليه السلام ورقة مساومة بينه وبين الشيعة في خراسان.





        لكن الإمام عليه السلام اكتشف لعبة المأمون المكشوفة، ورفض الخلافة بصورة لا تعطي المأمون الشرعية في استلام زمام الأمور، قال له عليه السلام: هل إن الخلافة ثوب ألبسك الله إياه، فإن كان ثوباً ألبسك الله إياه فلا يكون بإمكانك أن تـنـزعه منك وتمنحه إياي، وإن لم يكن شيئاً أعطاك الله إياه فكيف تعطيني ما لا تملك . وقد تركت هذه الكلمة منه عليه السلام أثرها، ونجم عن ذلك عدم ثبوت الشرعية التي كان يرغبها المأمون لخلافته، بل نزعت الشرعية منها في المستقبل.





        الثاني: المشكلة والقلق اللذان كان تسببهما القواعد الشعبية الموالية للإمام عليه السلام من خلال الانتفاضات الثورية التي كانت تقوم بها، خصوصاً وأنها قد امتلكت من القوة ما جعلها خطراً حقيقياً على عرش المأمون، وقد كانت منتشرة في أرجاء العالم الإسلامي. فتمكن المأمون من ضم القائد الفكري لهذه الحركات بجعلها تخضع للجهاز الحاكم، بل لو لم تقبل ذلك لكانت عرضة للوم من قبل المسلمين. ومن الواضح أن هذا سيعود على المأمون بعدة مكاسب:





        منها: تأمين الولاء للعرش، وتهدئة الخواطر، إذ أنهم سيشحنون هذا الانعطاف نحو الإمام عليه السلام وبالتالي سيأمن المأمون غوائلهم وانتفاضاتهم. ومنها:احتواء الحركات الثورية ومحاولة كسب عواطف العلويـين. ومنها:تشويه صورة الإمام عليه السلام ومن ثم تشويه صورة أهل البيت عليه السلام ورفع القدسية التي تحيطهم الأمة بها، من خلال زرع الريب والشكوك فيهم لكون الإمام عليه السلام قبل بأنصاف الحلول، وقبل بولاية العهد، وهذا أمر لا ينسجم مع الشعارات التي تطرحها مدرستهم. ولقد باشر المأمون لتنفيذ هذا المخطط من أجل تحقيق هذه الغاية، فقام بما يلي:





        خلع أخاه المؤتمن من ولاية العهد.

        زوج الرضا عليه السلام ابنته أم حبيبة.

        بدل شعار الدولة من السواد إلى الخضرة.





        أمر ولد العباس وأركان دولته وقادة جيشه بمبايعة الإمام عليه السلام ولياً للعهد.





        ضرب النقود باسم الإمام عليه السلام.





        ولقد أدرك الإمام عليه السلام نوايا المأمون، فقال له منذ اليوم الأول:تريد أن يقول الناس أن علي بن موسى لن يزهد في الدنيا، بل الدنيا زهدت به، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الدنيا وطمعاً في الخلافة . كما أنه قد اشترط عليه أن لا يمارس أي نوع من أنواع السلطة في حل وعقد وفي عزل وتعيين، وقد حاول المأمون تناسي هذا الشرط مرات عديدة، فيحاول إقحام الإمام عليه السلام في بعض الأمور الإدارية، لكنه عليه السلام كان يذكره بلزوم الوفاء بشرطه. وهذا الموقف السلبي يوحي للأمة رفض الإمام عليه السلام لسياسة الحكم الفاسد في ذلك الوقت وأنه لابد من تغييره، فيدل على عدم رضاه عنه. بل لقد كانت قواعد الإمام عليه السلام الشعبية أيضاً تدرك واقع الخدعة، فلما جاء الفضل بن سهل إلى المدينة محملاً بالدراهم والدنانير ليأخذ للمأمون البيعة بالخلافة وللرضا البيعة بولاية العهد، ويدفع للناس المال، رفضت القواعد الشعبية للإمام عليه السلام ذلك وقالت أنها تبايع الإمام بالخلافة لا بولاية العهد، وأنها ترفض البيعة للمأمون. وعندها طلب المأمون من الإمام الكتابة لشيعته بالسكوت فرفض الإمام مذكراً إياه بالشرط الذي شرط عليه، وهو أن لا يأمر ولا ينهى.





         الثالث:عزل الإمام عليه السلام عن قواعده الشعبية، وجعله واقعاً تحت جهاز الرقابة للدولة، فيعرف بمن يتصل، ومن يتصل به.كما أن ذلك يجعله أحد أعضاء الجهاز الحاكم وبالتالي سينصهر فيه، مما يؤدي إلى ميعان حركة التشيع وقضيتها ضمن إطار الخلافة العباسية. ولقد سار جميع من جاء بعد المأمون على هذه السياسة وهي سياسة حمل الإمام على الحضور في بلاط الخلافة يومين في الأسبوع، كنوع من العزل لهم عن قواعدهم الشعبية. وقد أدى هذا إلى قطع اتصال الإمام عليه السلام بالأمة، حتى يتمكن من تنمية فكرها وزيادة وعيها، وتعميق ولائها لمدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام . ولقد عانى الإمام عليه السلام مرارة الغربة في أفخم القصور، مع الخدم الذين كانت وظيفتهم رصد حركاته وأفعاله وتزويد الجهاز الحاكم بها.



شدة وطأة الإمام على المأمون



لقد كان الإمام الرضا عليه السلام شديد الوطأة على المأمون، فقد دخل عليه يوماً من الأيام، فرآه يتوضأ للصلاة، والغلام يسكب الماء على يديه، فقال له عليه السلام: لا تشرك بعبادة ربك أحداً. فبمثل هذه الصراحة كان عليه السلام يواجه المأمون وينتقد مواقفه وأفعاله، وكان المأمون يتظاهر بقبول الوعظ والنصح ظاهراً، وكان يضمر الحقد والبغض. ولذا اتخذ قراراً بنقل مركز خلافته إلى بغداد، في محاولة منه للمصالحة مع العباسيـين، وقد كان ثمن الصلح أن يقتل الإمام الرضا عليه السلام، فلذا دس له سماً قاتلاً. وباستشهاده عليه السلام تكون قد طويت صفحة من أروع صفحات التاريخ الإسلامي في نواحي عديدة.



 



المصدر



http://arabic.irib.ir/Monasebat/E-reza/Sirat4.htm



 




التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع