شارك هذا الموضوع

إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً (4)

أهمية الحجّ


وللتأكيد على أهمية الحجّ قال سبحانه في ذيل الآية الحاضرة (ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) أي أن الذين يتجاهلون هذا النداء، ويتنكرون لهذه الفريضة، ويخالفونها لا يضرون بذلك إلاَّ أنفسهم لأن الله غني عن العالمين، فلا يصيبه شيء بسبب اعراضهم ونكرانهم وتركهم لهذه الفريضة.


إن لفظة "كفر" تعني في الأصل الستر والإخفاء وأما في المصطلح الديني فتعطي معنى أوسع، فهي تعني كلّ مخالفة للحقّ وكل جحد وعصيان سواء في الاُصول والإعتقاد، أو في الفروع والعمل، فلا تدلّ كثرة استعمالها في الجحود الإعتقادي على إنحصار معناه في ذلك، ولهذا استعملت في "ترك الحجّ".ولذلك فسّر الكفر في هذه الآية عن الإمام الصادق (عليه السلام) بترك الحجّ(9).


وبعبارة اُخرى أن للكفر والإبتعاد عن الحق- تماماً مثل الإيمان والتقرب إلى الحقّ- مراحل ودرجات، ولكلّ واحدة من هذه المراحل والدرجات أحكام خاصة بها، وفي ضوء هذه الحقيقة يتضح الحال بالنسبة لجميع الموارد التي استعملت فيها لفظة الكفر والإيمان في الكتاب العزيز.


فإذا وجدنا القرآن يستعمل وصف الكفر في شأن آكل الربا (كما في الآية 275 من سورة البقرة) وكذا في شأن السحرة (كما في الآية 102 من نفس السورة) ويعبر عنهما بالكافر، كان المراد هو ما ذكرناه، أي أن الربا والسحر إبتعاد عن الحقّ في مرحلة العمل.


وعلى كلّ حال فإنه يستفاد من هذه الآية أمران:


الأوّل: الأهمية الفائقة لفريضة الحجّ، إلى درجة ان القرآن عبر عن تركها بالكفر.
ويؤيد ذلك ما رواه الصدوق في كتاب "من لا يحضره الفقيه" من أن النبي(ص) قال لعلي (عليه السلام):


"يا علي إن تارك الحجّ وهو مستطيع كافر يقول الله تبارك وتعالى: (ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين); يا علي; من سوف الحجّ حتّى يموت بعثه الله يوم القيامة يهودياً، أو نصرانياً"(10).


الثاني: إن هذه الفريضة الإلهية المهمة- مثل بقية الفرائض والأحكام الدينية الأُخرى- شرعت لصلاح الناس، وفرضت لفرض تربيتهم، وإصلاح أمرهم وبالهم أنفسهم فلا يعود شيء منها إلى الله سبحانه أبداً، فهو الغني عنهم جميعاً.


المصدر: تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل


---------------------------------------------------


1- جملة "وما كان من المشركين" جاءت في آل عمران 67 - 95 والأنعام 161 والنحل 124 والبقرة 135.


2- للوقوف على معلومات أكثر حول مصادر ونصوص هذا الموضوع من الآيات والأحاديث راجع الجزء الأول من هذا التفسير في ذيل الآية 127 من سورة البقرة.


3- أمثال رشيد رضا موالف المنار.


4- كل زاوية من زوايا الكعبة - الأربعة يسمى ركناً.


5- يقع الحطيم بين الحجر الأسود وباب الكعبة المعظمة، وإنما سمي بالحطيم إما لكثرة ازدحام الناس والطائفين فيها، وهو موضع توبة آدم، وإما لكونه موضع غفران الذنوب، وغفرانها بمنزلة تحطيمها.


6- حجر إسماعيل هو محل بنى فيه جدار هلالي الشكل عند الضلع الشمالي الغربي من الكعبة.


7- راجع كتاب فروع الكافي كتاب الحجّ باب حد موضع الطواف.


8- إبراهيم: 35.


9- يستفاد من بعض الروايات أن تشريع هذه الفريضة في الإسلام كان في السنة العاشرة من الهجرة وأن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر جماعة - في تلك السنة - أن يوَذنوا في الناس بالحجّ، ويهيئوا الناس لأداء هذه الفريضة، وإن كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وجماعة من صحبه قد سبق لهم أن أتوا بالعمرة قبل ذلك أيضاً.


10- التهذيب بناء على نقل تفسير الصافي في ذيل هذه الآية.


نقلا عن موقع حوزة الهدى للدراسات الإسلامية

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع