شارك هذا الموضوع

إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً (1)

﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْت وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِّلْعَـالَمِينَ *فِيهِ ءَايَـاتُ بَيِّنَـاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَـالَمِينَ﴾


أول بيت وضع للناس:


لقد أنكرت اليهود على النبي (ص) أمرين كما أسلفنا. وقد رد القرآن على الأمر الأول في الآيات الثلاث المتقدمة، وها هو يرد على الأمر الثاني، وهو: إنكارهم على النبي اتخاذه الكعبة قبلة، وتفضيله لها على "بيت المقدس" بينما كانوا يفضلونه على الكعبة.


يقول سبحانه: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً) فلا عجب إذن أن تكون الكعبّة قبلة للمسلمين، فهي أول مركز للتوحيد، وأقدم معبد بني على الأرض ليعبد فيه الله سبحانه ويوحد، بل لم يسبقه أي معبد آخر قبله، إنه أول بيت وضع للناس ولأجل خير المجتمع الإنساني في نقطة من الأرض محفوفة بالبركات، غنية بالخيرات، وضع ليكون مجتمع الناس، وملتقاهم.


إن المصادر الإسلامية والتاريخية تحدثنا بأن الكعبة تأسست على يدي "آدم"(عليه السلام) ثمّ تهدمت بسبب الطوفان الذي وقع في عهد النبي "نوح" ثمّ جدد بناءها النبي العظيم "إبراهيم الخليل" (عليه السلام) فهي إذن عريقة عراقة التاريخ البشري(1). ولاشكّ أن إختيار أعرق بيت اُسس للتوحيد من أجل أن يكون قبلة للمسلمين، أولى وأفضل من إختيار أية نقطة أُخرى وأي مكان آخر.


هذا وممّا يجدر الإنتباه إليه هو أن "الكعبة" والتي تسمى في تسمية أُخرى بـ"بيت الله" وصفت في هذه الآية بأنها "بيت للناس"، وهذا التعبير يكشف عن حقيقة هامة وهي: أن كلّ ما يكون باسم الله ويكون له، يجب أن يكون فى خدمة الناس من عباده، وأن كلّ ما يكون لخدمة الناس وخير العباد فهو لله سبحانه.


كما تتضح- ضمن ما نستفيده من هذه الآية- قيمة الأسبقية في مجال العلاقات بين الخلق والخالق، ولذلك نجد القرآن يشير- في هذه الآية- إلى أسبقية الكعبة على جميع الأماكن الأُخرى، وإلى تاريخها الطويل الضارب في أعماق الزمن، معتبراً ذلك أول وأهم ما تتسم به الكعبة من الفضائل والمزايا، ومن هنا يتضح أيضاً علّة ما للحجر الأسود من الحرمة، ويتبين جواب مايحوم حوله من سؤال مفاده: ما قيمة قطعة من الحجر ولماذا يندفع ويتدافع لإستلامه ملايين الناس كلّ عام، ويتسابقون- في عناء بالغ- إليه حتّى أن إستلامه يعد من المستحبات المؤكّدة في مناسك الحجّ وبرامجه؟


إن تاريخ هذا الحجر يكشف عن ميزة خاصة في هذا الحجر لا نجدها في أي حجر آخر غيره في هذا العالم، وهي أن هذا الحجر أسبق شيء استخدم كمادة إنشائية في أقدم بيت شيد لعبادة الله، وتقديسه، وتوحيده، فإننا نعلم بأن جميع المعابد حتّى الكعبة قد فقدت موادها الإنشائية في كلّ عملية إنهدام وتجديد، عدا هذه القطعة من الصخر التي بقيت منذ آلاف السنين، واستخدمت في بناء هذه البنية المعظمة على طول التاريخ منذ تأسيسها وإلى الآن.


ولا شكّ أن لهذه الإستمرارية، وتلك الأسبقية في طريق الله وفي خدمة الناس قيمة وأهمية من شأنها أن تكسب الأشياء والأشخاص ميزة لا يمكن تجاهلها. كلّ هذا مضافاً إلى أن هذه الصخرة ليست إلاَّ تاريخ صامت لأجيال كثيرة من المؤمنين في الأعصر المختلفة، فهي تحيي ذكرى إستلام الأنبياء العظام وعباد الله البررة لها، وعبادتهم، وتضرعهم إلى الله في جوارها عبر آلاف السنين ومئات من القرون والأحقاب.


على أن ثمّة أمراً آخر ينبغي الإنتباه إليه وهو: أن الآية المبحوثة هنا تصرح بأن الكعبة هي أول بيت وضع للناس، ومن المعلوم أنه وضع لغرض العبادة فهو أول بيت وضع للعبادة إذن، وهو أمر لايمنع من أن يكون قد شيدت في الأرض قبل الكعبة بيوت للسكن.


وهذا التعبير رد واضح على كلّ أولئك(2) الذين يدعون أن النبي إبراهيم (عليه السلام)هو أول من أسس الكعبة المشرفة، ويعتبرون بناءها على يدي آدم (عليه السلام) من قبيل الأساطير، في حين أن من المسلم وجود بيوت للعبادة في العالم قبل إبراهيم (عليه السلام)كان يتعبد فيها من سبقه من الأنبياء مثل نوح (عليه السلام) فكيف تكون الكعبة التي هي أول بيت وضع للعبادة في العالم قد أسست على يدي إبراهيم (عليه السلام)؟


 


نقلا عن موقع حوزة الهدى للدراسات الإسلامية

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع