شارك هذا الموضوع

علي ربيعة: لولا إضراب السواقين لما كانت هناك هيئة

صحيفة الوسط


صندوق التعويضات... التجربة التأمينية التعاونية الرائدة عربيا
 
لا يرى البرلماني السابق علي ربيعة انفصالا بين "الهيئة" وإضراب السواق الذي بشر بولادتها، فقد كان الإضراب الشامل الذي استمر أسبوعا "بدأ في 25 سبتمبر/ أيلول وانتهى في 2 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1954" مقدمة جيدة وخلاقة بالنسبة إلى عبدالرحمن الباكر ليصوغ طموحا راوده لكي يبدأ حركة وطنية كبيرة عانت من تردد النخبة المثقفة في ذلك الوقت.


كان السبب المباشر للإضراب يعود إلى ارتفاع أسعار التأمين الإجباري التي تفرضها الشركات الأجنبية، إذ لم تكن في ذلك الوقت أية شركة تأمين محلية، ربيعة يشير إلى أن الباكر استثمر هذا الحادث، ليقدم بديلا للمضربين عن إضرابهم الذي سينفض، فأخذ يتصل بهم ويعرض عليهم إنشاء جمعية تعاونية أو صندوقا تعاونيا للتأمين على المركبات، والأفراد. فقام بتوسيط كل من محسن العريض وخليل المؤيد، والرجلان مقبولان من جميع الأطراف، الشعبية والرسمية، فاتصلا بالمضربين والحكومة، فجرت الموافقة على القيام بإنشاء الصندوق، وأخذ الباكر يصوغ مسودة نظامه الأساسي، وساعده في ذلك قاسم فخرو "أبوغسان".


تداعيات سحب الجواز والجنسية
لسبب لا يعرفه ربيعة بالتحديد، قام المستشار تشارلز بليغريف بالاتصال بالباكر ليخبره بأنه قد تم سحب جواز سفره، ولكنه يرجح أن ذلك تم بضغط من الشركات الأجنبية التي استشعرت خطر الصندوق على أعمالها، وكذلك للنشاط السياسي والدور الفعال الوطني للباكر، ولكن هذا الأخير سكت ولم يخبر أحدا بقصة سحب الجواز، حتى لا يشاغب على إنشاء الصندوق الذي قد ينفض من حوله الناس، وما هي إلا فترة قصيرة حتى يبعث بليغريف إلى الباكر ما يفيد بتجريده جنسيته البحرينية، فكتب إلى بليغريف وجعل اثنين من الوجهاء يتوسطان لدى الشيخ سلمان بن حمد لكي يضغط على بليغريف ويعدل عن قراره، إلا أنه قال لهم إن هذا الأمر من شئون بليغريف نفسه، فلم يجد الباكر بدا من إعلان أمر سحب جوازه وجنسيته، فتلقت الجماهير البحرينية الأمر باستياء بالغ، ثم تم عقد أول لقاء في مسجد خميس في المنامة، وهناك تم اتخاذ سبعة قرارات، أهمها: عقد اجتماع آخر لانتخاب هيئة أو قيادة سياسية لمحاربة دكتاتورية بليغريف، وتتولى قيادة الشعب والحد من تدخل الاستعمار البريطاني، وإصدار بيان استنكار لما جرى للباكر، واختيار ممثلي الشعب لرفع المطالب الشعبية إلى الحاكم.


وبالتواريخ، يروي ربيعة ما جرى بعد ذلك بقوله: "بعد أربعة أيام من اجتماع مسجد خميس، أي في 15 أكتوبر ،1954 يرسل الباكر رسالة إلى بليغريف ليطلب منه تزويده بنسخة من قانون التأمين الإجباري الجديد، وفي 18 من الشهر نفسه يقام مؤتمر السنابس المشهور".


شل إضراب السواقين الحركة، فلم تكن هناك شركات تأجير أو نقل خاصة، فكانت المواصلات العامة تتمثل في الحافلات الخشبية القديمة، فكان تأثير الإضراب مؤثرا إلى حد بعيد جدا على الحركة في الشارع. في 19 ديسمبر/كانون الأول ،1954 طلب المستشار من الباكر ومن معه توفير نسخة من قانون "الصندوق" باللغة الإنجليزية، وقام بترجمتها مترجم هندي يدعى موفيز، وفي 22 من الشهر نفسه ولتصعيب الأمر في رأي ربيعة يرسل المستشار طلبا بجمع خمسين ألف روبية رأس مال للصندوق المراد إنشاؤه، على أن تودع باسم الحكومة، فهب المؤسسون لجمع الأموال وفتحوا باب الاشتراكات، فجمعوا 49,1 روبية، فقام خليل المؤيد بسداد مبلغ 900 روبية المتبقية تبرعا لـ "الصندوق".


رضوخ المستشار
يواصل ربيعة سرد التاريخ "لم يكن أمام بليغريف إلا التسليم بالسماح بإنشاء "الصندوق"، ولكنه أيضا يشترط عليهم بأن يتعهد مجلس الإدارة بتحمل أية مسئولية من مطالبات مالية أو ديون، فقبل المؤسسون التحدي، واجتمع ممثلو أصحاب السيارات بأنواعها في مكتب يوسف عبدالرحمن فخرو، وهم: يوسف انجنير، عبدالرسول التوراني، محمد فولاذ، مال الله صالح، خليفة النشمي، عبدالله محمد الكوهجي وعبدالحميد محسن وأشرفوا على إدارة انتخاب أول مجلس إدارة لـ "الصندوق"، وكان هذا المجلس قد تشكل بالانتخاب قبل صوغ القانون، وذلك في 8 أكتوبر ،1954 وفاز في الانتخابات: الحاج خليل المؤيد "رئيسا"، الحاج منصور العريض "عضوا" عبدالله فخرو "أمينا للصندوق"، عبدالرحمن الباكر "سكرتيرا"، وعضوية كل من محمود عبدالنبي، عبدالرسول التوراني، يوسف انجنير، خليفة النشمي، محمد فولاذ، راشد حسن، إبراهيم رشدان، مال الله صالح، السيد جواد وعبدالحميد محسن. وتقرر فتح حساب في البنك الشرقي، والبنك البريطاني، وهما المصرفان الوحيدان الموجودان في البحرين تلك الفترة، كما نوقش موضوع استحصال رسوم تأمين السيارات، ووزعت أيضا قسائم الانتماء".
ويقول: "ربما يشعر البعض أن الحديث عن الباكر فيه شيء من المبالغة، ولكنه فعلا رجل سابق لعصره، لأن إنشاء صندوق التعويضات، يعتبر أول تجربة تأمينية تعاونية في الوطن العربي بأسره".


تشير الأرقام التي وفرها ربيعة إلى أنه في يناير/ كانون الثاني من العام ،1955 أي بعد شهر تقريبا من صدور الموافقة على إنشاء "الصندوق"، تسجل فيه 82 باصا، 153 سيارة صغيرة تاكسي، 154 من اللواري، 71 شخصا "إذ كان الصندوق يقدم خدمة التأمين على الحياة"، 12 من البيكبات، ثلاث سيارات ستيشن واجن، سيارة واحدة "شخصي للأجرة"، والحصيلة 479 مشتركا.


وبلغ عدد السواق 128 سائقا، وتجمع من المبالغ لدى "الصندوق" 39 ألفا و353 روبية، وكان في البنك البريطاني، 77 ألفا و347 روبية "الوديعة"، وفي البنك الشرقي 116 ألفا و702 روبية "الاشتراكات والرسوم"، كما تم الاتفاق مع كراج أنطون أن يقوم بتصليح جميع السيارات التي تتعرض للحوادث.


في 28 أبريل/ نيسان من العام 1955 قرر مجلس الإدارة تعيين عبدالرحمن الباكر سكرتيرا للصندوق ومديرا إداريا فيه.
كان الباكر يذهب إلى القاهرة لعرض مسألة الحراك السياسي في البحرين والمطالب على مجلس قيادة الثورة هناك، وفي الوقت نفسه يحاول أن يستفيد من التجارب المتقدمة، وجاء بفكرة الفصل في الحقوق والأسهم بين المؤسسين وبين المشتركين حفاظا على حقوق كل طرف منهما... وفي أثناء غيابه، لم تكن "الهيئة" أو "الصندوق" تتخذ أي قرار، إنما تسير العمل اليومي فقط، فقد كان الباكر عقلهما المفكر.


غلطة وما باليد من حيلة
يرى ربيعة، أن الإنجليز أبدوا تعاطفا مع "الهيئة"، وكان بالإمكان تحقيق الكثير من المكاسب، فيما عدا مطلب إيجاد مجلس منتخب "تشريعي"، وهو واحد من المطالب الأساسية، وكان بالإمكان أن تقطف "الهيئة" مكاسب كثيرة، ولكن وقوع العدوان الثلاثي على مصر، وتصاعد هيجان الشارع، جعل "الهيئة" غير قادرة على السيطرة على مجريات الأمور، وحتى أن الباكر قدم اعتذارا عما تعرض له وزير خارجية بريطانيا سلوين لويد، ولكن هذا لم يكن كافيا لامتصاص الغضب البريطاني الذي لم يفوت رجالاته الفرصة ليضربوا الهيئة في أساسها باعتقال قياداتها وكوادرها.


يقول ربيعة: "لم يتأثر الصندوق بعد ضرب الهيئة وغياب محركه الأساسي "الباكر" فتمت إدارته من قبل عبدالله فخرو، والذي يشهد له بالأمانة والمحافظة على أموال "الصندوق"، وهو رجل معروف ومقبول من كل الأطراف".


ما آل إليه "الصندوق"
عمل ربيعة في "الصندوق" فترة طويلة من الزمن، حتى تمت تصفيته في العام 1995 بسبب "ارتفاع حجم التعويضات الصادرة من المحاكم فيما يتعلق بالأضرار الجسمانية الناشئة عن الحوادث، وتدني أقساط التأمين ورفض وزارة التجارة مطالب "الصندوق" بتعديل الأقساط لمواكبة أسعار السوق" كما يقول ربيعة، ويضيف "في العام 1983 كتب "الصندوق" إلى الحكومة طالبا موافقتها على السماح لـ "الصندوق" بالدخول في نشاطات التأمين الأخرى، حول الطلب إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية، كونه مؤسسة تعاونية، وشكلت لجنة من كل من "العمل"، "الداخلية"، "التجارة" و"الشئون القانونية" لدراسة المشكلات التي يواجهها "الصندوق"، ولكن المحصلة النهائية كانت عدم موافقة "التجارة" على منح "الصندوق" التراخيص الخاصة بمزاولة أنواع التأمين الأخرى".


ربيعة كان يأمل أن تسارع الحكومة بالموافقة على توسيع عمل "الصندوق" أو دعمه ماليا حتى يستمر في دعم المشتركين من البسطاء من أصحاب الحافلات الخاصة... والنتيجة ما تعانيه سوق التأمين اليوم.


ويقول: "كانت أوضاع "الصندوق" ممتازة حتى العام ،1983 وقام ببناء بناية خاصة به، وكان يوزع الأرباح على المساهمين والمشتركين، حتى تآكل رأس ماله في السنوات التالية".


ظل صندوق التعويضات شاهدا على عصر ذهبي من الحراك الوطني السياسي الجمعي، وما أن بلغ عامه الأربعين حتى استراح حاملا معه عذابات التأسيس الأولى.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع