شارك هذا الموضوع

المدرسة الجعفرية هي المرجع الرئيسي للمذاهب الإسلامية كافة

 




مدرسته العلمية:


في سنة (117هـ) حيث انتقل الإمام الباقر (عليه السلام) إلى جوار ربه، وأوصى إلى ولده الإمام الصادق (عليه السلام) وهو في سن الرابعة والثلاثين بمدرسته التي اجتمعت عليها المئات من ذوي الفكر والبصيرة، حتى كانت نواة المدرسة الكبرى التي أسسها الإمام الصادق (عليه السلام) من بعد أبيه، كما أوصى له بالإمامة. وبهذا انتقلت إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قيادة الأمة الدينية ومسؤوليتها السياسية الكبيرة.


لعلنا لم نجد في التاريخ الإنساني مدرسة فكرية استطاعت أن توجه الأجيال المتطاولة، وتفرض عليها مبادئها وأفكارها، ثم تبني أمة حضارية متوحدة لها كيانها وذاتيتها، مثلما صنعته مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام).


إن من الخطأ أن نحدد إنجازات هذه المدرسة فيمن درس فيها وأخذ منها من معاصريها وإن كانوا كثيرين جدا، وإنما بما خلفته من أفكار، وبما صنعته من رجال غيروا وجه التاريخ ووجهوا أمته، بل وكونوا حضارته التي ظلت قرونا مستطيلة.


لقد اثبت التاريخ أن الذين استقوا من أفكار هذه المدرسة مباشرة كانوا أربعة آلاف طالب ولكن ذلك لا يهمنا بمقدار ما يهمنا معرفة ما كان لهذه المدرسة من تأثير في تثقيف الأمة الإسلامية التي عاصرتها والتي تلتها إلى اليوم، وإن الثقافة الإسلامية التي عاصرتها والتي تلتها إلى اليوم، وإن الثقافة الإسلامية الأصيلة كانت جارية عنها فقط، حيث أثبتت البحوث أن غيرها من الثقافات المنتشرة بين المسلمين إنما انحدرت عن الأفكار المسيحية واليهودية بسبب الدّاخلين منهم، أو ملونة بصبغة الفلاسفة اليونان والهنود الذين ترجمت كتبهم إلى العربية، فبنى المسلمون عليها أفكارهم وكوّنوا بها مبادئهم.


ولم تبق مدرسة فكرية إسلامية حافظت على ذاتيتها ووحدتها وأصالتها في جميع شؤون الحياة كما بقيت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)، ذلك لثقة التابعين بها وبأفكارها، مما دفعهم إلى التحفظ بها وبملامحها الخاصة عبر قرون طويلة، حتى أنهم كانوا ينقلون عنها الروايات فما بفم، وإذا كتبوا شيئا لا ينشرونه إلا بعد الإجازة الخاصة ممن رووا الأفكار عنه.


وإذا عرفنا بأن الثقافة الإسلامية ـ الشيعية منها أو السنية ـ كانت ولا زالت تعتمد على الأئمة من معاصري الإمام الصادق (عليه السلام) كالأئمة الأربعة ممن توقف المسلمون على مذاهبهم فقط، وبالتالي عرفنا بأن معظم هؤلاء الأئمة أخذوا من هذه المدرسة أفكارهم الدينية، حتى أن ابن ابي الحديد أثبت أن علم المذاهب الأربعة راجع إلى الإمام الصادق (عليه السلام) في الفقه.


وقد قال المؤرخ الشهير أبو نعيم الأصفهاني: (روى عن جعفر عدة من التابعين منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وأبان بن تغلب، وابو عمرو بن العلاء، ويزيد بن عبد الله بن هاد، وحدث عنه الأعلام: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وابن جريح، وعبد الله بن عمر، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينه، وسليمان بن بلال، وإسماعيل بن جعفر، وحاتم بن إسماعيل، وعبد العزيز بن المختار، ووهب بن خالد، وإبراهيم بن طهمان، في آخرين وأخرج عنه مسلم بن الحجاج في صحيحه محتجا بحديثه.


إذا عرفنا ذلك صح لنا القول بأن الثقافة الإسلامية الأصيلة ترجع إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وإلى مدرسته فقط.


ومن جانب آخر إذا عرفنا بأن تلميذا واحدا من الملتحقين بهذه المدرسة ألف زهاء خمسمائة رسالة في الرياضيات كلها من إملاء الإمام الصادق (عليه السلام)، وهو جابر بن حيان المعلم الرياضي الشهير الذي لا يزال العالم يعرف له فضلا كبيرا على هذه العلوم وأيادي طويلة على أهلها.


وروي عنه محمد بن مسلم ستة عشر ألف حديث في مختلف العلوم، وآخرون من هؤلاء الأفذاذ، حتى قال قائلهم: رأيت في هذا المسجد ـ أي مسجد الكوفة ـ تسعمائة شيخ كل يقول: (قال جعفر بن محمد) حتى أن أبا حنيفة كان يقول: ( لولا السنتان لهلك النعمان).


وأخيرا عرفنا بأنه لم يرو عن أحد من الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، بل عن المعصومين الأربعة عشر وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بقدر ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام). ولقد جمع المتأخرون من الشيعة ما روي عنهم في مجلدات ضخمة: فكان البحار للمجلسي يحوي مائة وعشرة مجلدات، وكان جامع الأخبار للنراقي مثيلا له، وكان مستدرك البحار نظيرا له، وقد أحتوت غالبية هذه الكتب ونظائرها على أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) وأكثرها في الفقه والحكمة والتفسير وما إلى ذلك.


أما في سائر العلوم فلم يصل إلى أيدينا إلا الشيء القليل، حيث ذهب معظمها ضحية الخلاف السياسي الذي أعقب عصر الإمام، فكم من كتب مخطوطة للشيعة أحرقتها نيران المنحرفين، وكان نصيب مكاتب الفاطميين بمصر أكثر من ثلاثة ملايين كتابا مخطوطا، وكم من كتب لفتها أمواج دجلة والفرات وأحرقتها مطامع العباسيين ببغداد والكوفة، وكم من محدث واسع المعرفة جم الثقافة ظلت العلوم الهائجة في فؤاده لا يستطيع لها نشرا خوفا من إرهاب العباسيين وإجرامهم، فهذا ابن أبي عمير ظل في سجون بني العباس مدة طويلة ـ ومن المؤسف ـ أن كتبه هجرت في هذه المدن حتى عفنت وأكلها التراب، وراحت أحاديث كثيرة منها صحيحة الأعمال. وهذا محمد بن مسلم حفظ ألف حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) ولم يرو منها شيئا.


اذا عرفنا كل ذلك امكننا معرفة مدى شمول ثقافة هذه المدرسة العالم الاسلامي ومدى سعة افقها الرحيب .


والمشهور ان منهاج الامام الصادق (عليه السبلام) كان يوافق احدث مناهج التربية والتعليم في العالم، حيث ضمنت حوزتة اختصاصيين كهشام بن الحكم الذي تخصص في المباحث النظرية ، وتخصص زرارة ومحمد بن مسلم واشباههم في المسائل الدينية ، كما تخصص جابر بن حيان في الرياضيات ، وعلى هذا الترتيب.


حتى أنه كان يأتيه الرجل فيسأله عما يريد من نوع الثقافة، فيقول الفقه فيدليه على أخصائية، أو التفسير والسيرة، أو الرياضيات، أو الطب، أو الكيمياء، فيشير إلى تلامذته الأخصائيين، فيذهب الرجل بملازمة من أراد حتى يخرج رجلا قديرا بارعا ذلك الفن.


ولم يكن الوافدين إليه من أهل قطر خاص، فلقد كانت طبيعة العالم الإسلامي في عصره تقضي على الأمة بتوسيع الثقافة والعلم والمعرفة في كل بيت... حيث أن الفتوحات المتلاحقة التي فتحت على المسلمين أبوابا جديدة من طرق العيش وعادات الخلق، وأفكار الأمم، كانت تسبب احتكاما جديدا للأفكار الإسلامية بالنظريات الأخرى، ولسبيل الحياة عند المسلمين بعادات الفرس والروم وغيرهما من جارات الدولة الإسلامية، كما خلقت مجتمعا حديثا أمتزج فيه المتأثر العميق بالوضع، والمنحرف الكامل عن الإسلام، مما سبب حدوث تناقضات في الحياة، قد ترديه وتحدث لديه انعكاسات سيئة جدا لذلك الامتزاج الطبيعي المفاجئ.


لذلك هرعت الأمة يؤمئذ إلى العلم والثقافة والتصقت بأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) مؤملة الخصب الموفور، ووفدت عليه من أطراف العالم الإسلامي طوائف مختلفة، وساعدهم على المثول عنده مركزه الحساس، حيث أختار ـ في الأعم الأغلب ـ مدينة جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي كانت تمثل العصب الحساس في العالم الإسلامي، ففي كل سنة كانت وفود المسلمين تتقاطر على الحرمين لتأدية مناسك الحج المفروضة ولحل مسائلهم الفقهية والفكرية. فيلتقون بصادق أهل البيت (عليه السلام) وبمدرسته الكبرى حيث يجدون عنده كل ما يريدون.


ويجدر بنا المقام هنا أن نشير إجمالا إلى موجة الإلحاد التي زحفت على العالم الإسلامي في عهد الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد اصطدمت بمدرسته، فإذا بها الصّد المتين، والسّد الرصين، الذي حطم قواها وجعلها رذاذا، وباعتبار أننا نحاول أن نخلص حياة إمامنا العظيم ونحدد ملامح مدرسته الكبرى، يلزم أن نلم موجزا بهذه الموجة الشاملة.


لقد أشرنا قريبا إلى الفتوحات الإسلامية سببت احتكاما عنيفا بين المسلمين وبين الداخلين، ولأن أغلب المسلمين لم يكونوا قد تفهموا الإسلام تفهما قويما، ولا وعوه وعيا مستوعبا، فان نتيجة هذا الاصطدام كانت سيئة، إذ أدّى إلى تشعب المسلمين إلى فرقتين:


الأولى: المحافظون الملتزمون الذين اتخذوا ظاهر الدين ولم يتفهموا جوهره وحقيقته، فإذا بهم يفقدون عقولهم ويفقدون معها مقاييس الأشياء، وكانت الخوارج من فرسان هذا الاتجاه، كما كانت الأشاعرة مع ملاحظة ما بين طوائفهم من اختلاف في الكمية والكيفية.


والثانية: المتطورون المفرطون الذين بالغوا في التأثر بالوضع وألغوا المقاييس، واكتفوا بما أوحت إليهم عقولهم الناقصة، حسب اختلاف النزعات وتطور الظروف، وكان في مقدمتهم الملحدون ثم ـ مع اختلاف كثير ـ كانت المعتزلة ومن إليهم من الفرق الأخرى.


وبطبيعة الحال كان الملحدون متسترين بسبب الوضع الاجتماعي القاسي الذي يعتبر فيه المرتد أسوأ حالا من الكافر الأصيل، وكانوا أقلاء في نفس الوقت، بيد أنهم كانوا يستقون أفكارهم من فلسفة اليونان التي كان العرب لا يعرفها حتى ذلك اليوم، وحيث تمت صلتهم بها عن طريق حركة الترجمة المنتشرة من عهد الإمام فصاعدا.


ولذلك كان القليل من المسلمين الذين تفهموا فلسفة الإسلام النظرية من جميع أبعادها، وعرفوا الاختلاف بينها وبين سائر النظريات، واستطاعوا أن يقيموا الحجة البالغة على صحة مبادئ الإسلام الفكرية ودحض ما سواها.


وقد اصطدم هؤلاء بمن اقتصرت معلوماتهم على مجموعة من الأحاديث التي يرونها عن أبي هريرة أو غيره، غير مبالين بما فيها من تناقضات جمة، وكانوا يحسبون أنهم على حق، وأن لهم مقدرة كافية لإثبات مزاعمهم الباطلة، فترى أحدهم يشكل حزبا ويدعو إليه الناس سرا.


لذلك تحتم على الإمام الوقوف في وجههم وتبديد مزاعمهم. فرسم ثلاثة خطط حكيمة لذلك:


الأولى: لقد خص فرعا من مدرسته بالذين يعرفون فلسفة اليونان بصورة خاصة وغيرها بصورة عامة، ويعرفون وجهة نظر الإسلام إليها والحجج التي تنقضها، وكان من هؤلاء هشام بن الحكم المفوه الشهير، وعمران بن أعين، ومحمد بن النعمان الأحول، وهشام بن سالم، وغيرهم من مشاهير علم الحكمة والكلام، العارفين بمقاييس الإسلام النظرية أيضا.


الثانية: وكتبت رسائل في ذلك، مثل رسالته المدعاة بـ( توحيد المفضل)، ورسالته المسماة بـ( الإهليجية) وما إليها.


الثالثة: المواجهة الشخصية لزعماء فكرة الإلحاد. باعتبار أن هذه العملية الأخيرة كانت أبلغ في مقابلة الموجة من اللتين سبقتا، لذلك يجدر بنا الوقوف عندها قليلا.


يروي هشام بن الحكم أنه قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله علم، فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها، وقيل هو بمكة فخرج على مكة ـ ونحن مع أبي عبد الله (عليه السلام) آنذاك ـ فانتهى إليه وهو في الطواف، فدنا منه وسلم.


فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما اسمك؟


قال: عبد الملك.


قال: فما كنيتك؟


قال: أبو عبد الله.


قال: فمن ذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الأرض أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن أبنك أعبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ فسكت.


فقال: أبو عبد الله قل. فسكت.


فقال له (عليه السلام): إذا فرغت من الطواف فآتنا. فلما فرغ أبو عبد الله (عليه السلام) من الطواف آتاه الزنديق، فقعد بين يديه ـ ونحن مجتمعون عنده ـ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أتعلم أن الأرض تحتا وفوقا؟


فقال: نعم.


قال: دخلت تحتها؟


فقال: لا.


قال: فهل تدري ما تحتها؟


قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شيئ.


فقال: فالظن عجز ما لم تستيقن.


ثم قال له: صعدت إلى السماء؟


قال: لا.


قال: أفتدري ما فيها؟


قال: لا.


قال: فاتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟


قال: لا.


قال: فالعجب لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد إلى السماء ولم تجد ما هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد ما فيهن، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف.


فقال الزنديق: ما كلمني بهذا غيرك.


فقال ابو عبد الله (عليه السلام): فأنت من ذلك في شك، فلعل هو ولعل ليس هو.


قال: ولعل ذلك.


فقال أبو عبد الله (عليه السلام): (أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم، ولا حجة للجاهل على العالم، يا اخا أهل مصر تفهم عني، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يستبقان يذهبان ويرجعان، قد اضطرا، ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ والله ي أخا أهل مصر إن الذي تذهبون إليه وتظنون من الدهر، فإن كان هو يذهبهم فلم يردهم، وإن كان يردهم فلم يذهب بهم، أما ترى السماء مرفوعة والأرض موضوعة لا تسقطها على الأرض و لا تنحدر الأرض فوق ما تحتها، أمسكها والله خالقها ومديرها).


قال: فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لهشام خذه الليلة وعلمه.


وعندما ننهي الحديث عن هذه المحادثات الغزيرة بالنظريات الفلسفية من جانب، والنظريات الدينية من جانب آخر، ثم بالتوفيق بينهما ورد الأفكار الباطلة. عند ذلك يجب أن نعرف أن الفلسفة الإسلامية لم تستطيع أن تقوم لها قائمة إلا بعد قرن كامل من انقضاء مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)، فهناك استطاع المسلمون أن ينشئوا مدرسة ذات أصالة وملامح خاصة من بين مدارس العالم الفلسفية، ومع ذلك فانا نرى أن هذه النظريات التي استفاضت بها أحاديث الإمام الصادق (عليه السلام) تتمتع بأصالة وذاتية كاملة، في حين أن غيرها بدا مثل غثاء البحر الذي يجتمع إليه من كل جانب شيئ دون أن يكون فيها أي تجاوب أو تناسب، هذا في صورتها.


أما في واقعها فإنها فشلت في التوفيق بين المبادئ الدينية والدراسات الفلسفية فشلا ذريعا، حتى التجأت إلى التأويل في النصوص الإسلامية الصريحة، أو الطرح لها رأسا، لدرجة لم تعد هي فلسفة الإسلام أبدا.


بينما نرى نظريات الإمام الصادق (عليه السلام) في دراساته لازالت من صميم الفكرة الإسلامية وآيات الذكر وآثار النبي، ومن قوانين الإسلام ونظمه حتى لكانه جزء لا يتجزأ من كيان موحد أصيل، في نفس الوقت الذي نرى توفيقه الشامل لفطرة الإنسان ووحي ضميره سواء في المعنى أو في الدليل.



 


حكمه :


أختص الإمام الصادق (عليه السلام) من بين الأئمة بكثرة الحديث، ونشر العلم، علما بأن علمهم (عليهم السلام) واحد ولكن الظروف كانت مواتية لانشغال الدولتين في تثبيت قواعد الملك والسلطان، فانتهز (عليه السلام) الفرصة لتثبيت قواعد العلم، ونشر الوية الدين، فقد جمع حوله أكبر عدد من الرواة وطلاب العلم.


إن الأحاديث التي نقلت عنه لا تحصى فقد روي عنه أبان بن تغلب وحده ثلاثين ألف حديث، ومحمد بن مسلم ستة عشرة ألف حديث.


وفي هذه الفحة قبس من حكمه (عليه السلام):


ـ قال (عليه السلام): لا يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال: صدقة اجراها الله في حياته فهي تجري بعد موته، وسنة هدى يعمل بها، وولد صالح يدعو له.


ـ وقال (عليه السلام): من صدق لسانه زكى عمله، ومن حسنت نيته زاد الله عز وجل في رزقه، ومن حسن بره بأهله زاد الله في عمره.


ـ وقال (عليه السلام): إن عيال الرجل اسراؤه، فمن أنعم الله عليه فليوسع على أسرائه، فأن لم يفعل يوشك أن تزول تلك النعمة عنه.


ـ وقال (عليه السلام): ثلاثة من تمسك بهن نال من الدنيا والآخرة بغيته: من اعتصم بالله، ورضي بقضاء الله واحسن الظن بالله.


ـ وقال (عليه السلام): لا يستكمل العبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه ثلاث خصال: الفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.



ادعيته :


لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين والعلماء من الأدعية والأذكار ما نقل عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فهي منقبة لم يشاركوا فيها وكرامة خصصوا بها، ولم يكن أحد اقدر على هذه الصناعة ـ صناعة الدعاء ـ من أهل البيت (عليهم السلام).


وقد تصدى لجمع ادعيتهم (عليهم السلام) جمع من العلماء فجاءت في مئات المصنفات كما شرح آخرون بعض هذه الأدعية، وأشار على ما تضمنته هذه الاثار النفسية من العلوم والمعارف الإلهية وأنت إذا عرفت بأن السيد علي بن طاووس رحمه الله من أعلام القرن السابع ـ له ما يقرب من عشرين مؤلفا في الدعاء، وجلها مطبوع متداول ادركت ثروة هذه الطائفة من هذه الكنوز واليوم نحن احوج ما نكون لهذه الاثار النفسية كعامل مهم في تقويم الاخلاق، وتهذيب النفوس، والرقي نحو الكمال.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع