شارك هذا الموضوع

جُندُ الله وضُبّاطه بين إيران وباكستان

كيف حصل التفجير في سيستان بلوشستان والذي استهدف اجتماعا عشائريا دينيا؟ جاء رجلٌ يُدعَى عبد الواحد محمد زادة سرواني ينتمي إلى جماعة جند الله المُسلّحة يروم تفجير نفسه في الاجتماع المذكور.


ونتيجة للإجراءات الأمنية المحيطة بمقرّ الاجتماع فضّل سرواني أن يدخل خيمة معرض الصور (المنصوبة جانباً) على الدخول لقاعة الاجتماعات الرئيسية خشية تفتيشه واكتشافه من قِبَل الأمن الإيراني.


اقترب من باب الخيمة وكان حينها نائب قائد سلاح البر بالحرس الثوري وقائد مقر القدس العميد نور علي شوشتري يهمّ بالخروج من الخيمة، عندها فجّر سرواني نفسه فَقَتَل اثنين وأربعين شخصاً بينهم خمسة عشر منتسباً للحرس وزعماء عشائر شيعية وسُنّيّة من محافظة سيستان بلوشستان الإيرانية.


بالتأكيد فإن الحادث دموي ومُدَان ومُوجِع للإيرانيين أيضاً. فقد قُتِلَ (إلى جانب شوشتري) العميد محمد زاده قائد قيادة الحرس في سيستان وبلوشستان، وقائد الحرس في مدينة إيرانشهر، وقائد لواء أمير المؤمنين (ع) وعديد من القيادات الدينية الكبيرة بالمحافظة المُختلطة مذهبياً.


يُذكّرني هذا الحادث بما جرى في أغسطس/ آب من العام 1998 عندما هاجم مُسلّحوا حركة طالبان الأفغانية القنصلية الإيرانية في مدينة مزار الشريف وقتلوا تسعة دبلوماسيين إيرانيين وصحافياً يعمل في وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية. عندها قالت طهران أنها «ستُكسّر أسنان المعتدين» ثم حَشَدُوا مائتي ألف من الحرس الثوري على الحدود مع أفغانستان.


كانت الأجواء حينها مختلفة عن أجواء اليوم تماماً. في تلك الفترة كانت طالبان تحظى بشرعية الحكم والوجود. وكانت باكستان والولايات المتحدة تدعمانها بقوّة ضد تحالف الشمال بقيادة أحمد شاه مسعود الذي تدعمه كل من إيران وروسيا والهند.


لم تدخل طهران الحرب لكنها جرّت حركة طالبان لأن تحشد كلّ ما لديها من قوّات على الحدود وعددها خمسة وعشرين ألف مقاتل كرد فعل على حشد الإيرانيين لقواتهم على الحدود، الأمر الذي أنتجَ فجوة عسكرية هائلة في الجبهات الأخرى، وخصوصاً الشمالية منها.


استغلّ أسد بانشير (أحمد شاه مسعود) الفرصة وشنّ هجوماً مضاداً على معاقل طالبان وكبّدهم خسائر فادحة في مناطق مختلفة كفارياب وجوزجان وسمنغان. كان انتقام الإيرانيين مُجزياً لهم، وأتمّوه عبر وسيط.


اليوم لا يُقال للإيرانيين أكثر مما خبروه في السابق. فالإشكال هو في المنطقة التي جرى فيها التفجير. فهي تُطلّ على باكستان عبر جاهبار وسروان ونيكشهر وسرباز وسروان وخاش وإيرانشهر ومعظم مناطق زاهدان.


هذه البقع الجغرافية هي بالأساس موصولة تاريخياً بالقبليّة البلوشيّة الموجودة في كلّ من أفغانستان وباكستان وإيران بالسّواء. ثم إن بعض المجموعات السلفيّة في هذه المنطقة كانت قد ارتبطت بالتعليم الديني الباكستاني ذاته الذي فرّخ الطالبانيين منذ بداية التسعينيات.


وبالتالي فإن طهران عليها أن تُواجه عدّة جبهات وبشكل مُزدوج. عليها أن تُواجه جغرافيا ممتدّة في بلدَيْن اثنين (باكستان/ أفغانستان) وعليها أن تُواجه أفكار ومقاتلين، ثم حدود دول تُشاطرها ذات الأخطار. وهي جميعها حالات مُعقّدة تورّطت فيها قوى إقليمية ودولية.


في الحالة الأولى وهي الجغرافيا فنحن نتحدث عن منطقة وَعِرَة من الجبال والوديان والهضاب وأراض غير مأهولة، والتي خَشِيتها قوى التاريخ الكبرى ممن جاءت إلى تلك المناطق منذ أيام الاسكندر المقدوني.


فمقاتلو تلك المناطق لا يحتاجون إلى سلاح ثقيل وخطط عسكرية إستراتيجية في ظلّ ما توفّره لهم الجغرافيا من دروع عسكرية طبيعية وملاجئ صلبة منحوتة في الجبال وجاهزة للإيواء والوفادة على مدار العام.


ثم إن هذه المنطقة ممهورة بتاريخ يمتد إلى أكثر من 5000 ألاف عام قبل الميلاد حين ظهر الأدب المكتوب في تلك المنطقة. وعن ألفي عام من حركة القبائل البلوشية هناك، وعن أربع أنواع من اللغات، وعن غزاة متعددون.


وفي الحالة الثانية، فإن الجمهورية الإسلامية عليها أن تواجه أفكاراً دينية متطرفة أصبحت هَوَسَ العالم اليوم، وباتت تنبسط بشكل أفقي وسلسل بين أفراد عديدين من منتسبي هذه المنطقة وغيرها من مناطق العالم.


هذه الأفكار بطبيعتها تُذكّرني بـ «الانطلاق في نمو أفكار باستدامة ذاتية» على غرار الوجهة الاقتصادية، حين تختزن ميكانيزمات تدفع بالإنتاج الفكري المتطرف دون الاعتماد على روافد مُحدّدة أو حصريّة.


فالمُحفّزات الخاصة في تلك الأفكار غير مُرهِقة مادياً ولا تحتاج إلى خطط وترتيبات مُعدَّة سلفاً. هي مجموعة عن جمل وأحاديث يُلقيها أصحاب الكاريزما على مُريديهم فيُنتجوا مقاتلين مُهيئين لعمل أيّ شيء وفي أيّ مكان!


وفي الحالة الثالثة فإن طهران قد تستنسخ ما تقوم به أنقرة في شمال العراق ضد حزب العمّال الكردستاني لكن عليها أن تُهيأ ذات الظروف التي تُعطي تركيا حرّية الحركة هناك، وخصوصاً الغطاء الإقليمي والدولي لذلك.


فلو دخل الإيرانيون في حدود خمسين كم في عُمق الحدود الباكستانية (كما فعلوا قبل أيام) فعليهم أن يُواصلوا حتّى كويتا وباكتيكا وخوست إذا ما عُرِفت امتدادات هذه الجماعات ومسرح تدريباتها وعمليات في البُلدان الثلاث (إيران/ باكستان/ أفغانستان).


هنا لن يكون أمام الإيرانيين سوى الاصطدام بسيادة دولة كباكستان، وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان. ثم إن باكستان ذاتها لا تستطيع أن تُقدمّ أكثر مما تفعل إذا ما عَرِفنا وتابعنا حجم القتال الذي تخوضه ضد مسلّحي وزيرستان وطالبان باكستان.


فإسلام آباد لم تستطع لحدّ الآن إيجاد الفصل التّام بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية التي تورّطت بشكل كبير في دعم الإسلاميين السلفيين (بما فيهم طالبان خلال حقبة التسعينيات) على حساب أتباع الإسلام المودودي.


كما أن هذه المناطق لا يُمكن فصلها بشكل تام عن امتداداتها الأخرى. فحين تكون المناطق الباكستانية والأفغانية ملتهبة فإن ذلك ينعكس مباشرة على مناطق سيستان بلوشستان، وهو ما يُحتّم التنسيق بين هذه البُلدان.


أخوف ما يُخاف منه أن تنفلت القضية أمام هول الحادثة. فباكستان تعتبر حدودها مع إيران حدود آمنة ومثالية إذا ما قِيسَت بغيرها من الحدود سواء مع الهند أو أفغانستان.


وإذا ما قرّرت طهران ممارسة ضغط على باكستان عبر تثوير العرقيّة البلوشيّة هناك فإن ذلك قد يفتح جبهة أخرى أمام إسلام آباد، الأمر الذي قد يفاقم الأوضاع الأمنية المترديّة في مناطق القبائل بوزيرستان.


الأمر جدّ حساس وخَطِر. ويحتاج إلى قرارات صائبة. فمثل هذه الجبهات لا تحتمل خططاً تتماثل في طبيعتها مع ما يجري في أماكن أخرى. وعليه فإن على المعنيين في إيران وباكستان إدراك ذلك وليس شيئا آخر.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع