شارك هذا الموضوع

مَعَاذَ الله أَنْ يَأْتِيْ رَئِيْسٌ غَيْرَ أَحْمَدِيْ نَجَاد!

ماذا فَعَلَ أحمدي نجاد بالمواطن الإيراني لكيه يُعطيه صوته. ربما كان ذلك سؤال مُلِح، لكن السؤال الأكثر إلحاحاً منه هو: ماذا يُريد أحمدي نجاد بِحُكمه إيران؟ ما هي نواياه بحقّ الطبقة الحاكمة والأحزاب والشخصيات ومراكز القوى؟


وكيف يُدير هذا الرجل قِيمه السياسية الجديدة بهذا العنفوان والحَسْم وسط تعقيدات النظام السياسي الحاكم؟ ربما هي أسئلة تحتاج إلى إجابات، لكنني أبدأ بما يصلني بنتائج الانتخابات أولاً وكيف حَصَل الرجل على تفويض بهذا الشكل، على أن يُجاب على ذلك في إشارات لاحقة:


الملاحظة الأولى: يُوجد في إيران ثلاثون محافظة، تتضمن ستة وثلاثون مدينة، وألفان وأربعمائة قرية، وثمانمائة وتسعة وثمانون ناحية. تتوزّع عليها كُتلة ناخبة يبلغ قوامها ستة وأربعين مليون ومائتي ألف ناخب.


وتتوزّع على هذه الكتلة الناخبة خمس فئات أو طبقات من الأصوات. الأولى هي الطبقة الوسطى العليا وما يليها صعوداً، وهي عادة ما تكون داعمة لقوى الثاني من خُرداد الإصلاحية بشتّى أنواعها.


والثانية هي الطبقة الوسطى الدُنيا وما يليها نزولاً، وهي عادة ما تكون داعمة للقوى المحافظة والمُتديّنة. والثالثة طبقة رجال بشتّى صُنُوفهم، وهي في العادة (شبه الإطلاق) ما تكون داعمة للقوى المحافظة أيضاً.


والرابعة هي دعاة التغيير شبه الجذري (غير مُتدينة)، وهي طبقة مخمليّة تتركز في شمال المُدة الكبيرة وعادة ما تُعطي صوتها للقوى الإصلاحية. والخامسة هي المجاميع الأصولية الأفندية وصوتها تاريخياً يذهب إلى القوائم المحافظة.


في السابق كانت المجاميع البشرية تتركّز في المدن الكبيرة. وعلى مدى السنوات والتجارب الانتخابية المنصرفة كانت مجسّات المُرشّحين في الانتخابات الرئاسية وغيرها هي هذه المُدن وبالتحديد العاصمة طهران التي بلغ عدد ناخبيها أكثر من ستة ملايين ناخب خلال الانتخابات الأخيرة.


الذي حَصَل أن الرئيس محمود أحمدي نجاد قام بتشتيت هذه الكتلة الناخبة وبعثرتها من المُدن الكبيرة نحو الريف، جاعلاً من الأطراف والأقاليم البعيدة بمثابة بيضة القبّان في العمليات الانتخابية.


ولأن الريف والأقاليم وأحزمة الفقر البعيدة عن المُدن تضم أكثر من خمسة وعشرين مليون ناخب من أصل ستة وأربعين مليون ومئتي ألف ناخب فقد غيّرت هذه القوى الناخبة خريطة الفائزين بشكل مُلفت.


ففي الانتخابات الأخيرة صوّت ما نسبته تسعين بالمائة من الخمسة وعشرين مليون إيراني (من الأقاليم البعيدة والأرياف) يحقّ لهم التصويت، أي 22500000 ناخب. وقد صوّت من هؤلاء لصالح أحمدي نجاد زهاء السبعين بالمائة من هؤلاء، أي ما يُقارب 15750000 مليون ناخب.


وبالتالي فإن الكتلة التي صوّتت للرئيس أحمدي نجاد من الأرياف والأقاليم البعيدة تُشكّل الغالبية العظمى من الأصوات الممنوحة له في كل إيران وهي 24527516 مليون صوت من أصل 39165191 مليون صوت هي عُموم المشاركة في الانتخابات. بمعنى أن 8777516 مليون صوت فقط حصل عليها أحمدي نجاد من المُدن الكبيرة.


المُلاحظة الثانية: وهي مُرتبطة بالأولى بشكل عضوي. وهي عن تفسير حصول أحمدي نجاد على هذه الأصوات من المناطق البعيدة، وحتى من المناطق الجنوبية في المدن والتي عادة ما تكون أقّل يُسراً من الوسط والشمال.


مَنْ تتبّع المسيرة الاقتصادية في الأربع سنوات المنفرطة من حُكم الرئيس أحمدي نجاد سيرى أنه قام بعملية ترييع ضخمة لموارد الدولة. وبصورة أكثر دقّة ووضوحاً فإن نجاد حاول ضخ أكبر كميّة ممكنة من السيولة داخل القطاعات الشعبية المعدومة وتلك التي هي أقلّ يُسراً.


فقد قام بتعديل المادة رقم 44 من الدستور وقدّم لثلاث طبقات اجتماعية معونات شهرية، ومنح العوائل الفقيرة أسهماً في الشركات الحكومية والقابضة. وقد بدأت تلك العوائل فعلياً في استلام أرباح أسهمها في الشركات لحولين مَضَيَا، بالإضافة إلى توسيع الغطاء التأميني لها.


الأهم من كلّ ذلك هو توزيع الأراضي المُؤمّمة على قطاعات اجتماعية هائلة في تلك المناطق، وأيضاً في المناطق المحاذية للمدن الكبيرة، وأطراف إيران السواحلية، وهو ما جعل من أسعار العقار لأن تهبط في مناطق عديدة من إيران إلى الربع أو أقل.


كذلك قام بمضاعفة رواتب المتقاعدين مرتين. وحسب الجداول المُعَدّة في وزارة الرفاه الاجتماعي فإن بعض الموظفين المتقاعدين ذوي العوائل شبه المُركّبة أو الموسّعة زادت نسبة المُضاعفة في رواتبهم عن الضعفين.


وأيضاً مَنَحَت حكومة الرئيس أحمدي نجاد مليوني طالب جامعي راتباً شهرياً قبل دخولهم لسوق العمل. وأقام اتصال عضوي مع المُنظّمات الخيرية وأهمها "منظمة إمداد" بهدف زيادة الامتيازات الممنوحة للأيتام والفقراء وذوي قتلى الحرب العراقية الإيرانية وأبناء الثوريين المغدور بهم.


بل إن هذا التسييل الضخم امتدّ حتى للخدمات العامة والاستهلاكية. فطبقاً للتقارير الواردة فقد أنفقت حكومة الرئيس أحمدي نجاد ما قيمته 203 مليار دولار على الطاقة، متخطيةً بذلك خط الإنفاق المُدرج في قانون الميزانية بمعدل 142 بالمائة.


بل إن الإنفاق من عائدات النفط ضاعف حجم الموازنة العامة للدولة، بحيث وصل حجم النقد المطروح أكثر من 212 مليار وخمسين مليون دولار. وزيادة في واردات السلع بنسبة 36 بالمائة.


بل إن حكومة الرئيس أحمدي نجاد وطبقاً لبيانات البنك المركزي أنفقت من عائدات النفط على مدار الأربع سنوات الماضية على التوالي 46.8 مليار دولار، 46.8 مليار دولار، 46.8 مليار دولار و69.5 مليار دولار في حين أن المرصود في الخطة هو 20.3 مليار دولار، 20.6 مليار دولار، 21.5 مليار دولار و 22.1 مليار دولار.


وزاد الصرف من عائدات النفط لتغطية النفقات الجارية للحكومة طيلة الأربع سنوات الماضية بحيث وصل إلى 123 مليار دولار، أي بمتوسط 31 مليار دولار بزيادة وقدرها 59 بالمائة عن جميع الحكومات السابقة.


هذا الترييع الضخم والذي صار جدلاً داخل الأوساط التكنوقراطية في إيران قَلَبَ العديد من الموازين داخل المزاج العام للمواطن الإيراني. فصارت قطاعات واسعة من المستفيدين ترى أن هذه البرامج هي تأمين يومي ومستقبلي لمعيشتها.


بل إن هذا المزاج صار مُزحماً لأمزجة النصف الثاني من عقد التسعينيات حين كان الإصلاحيون يرفعون شعارات الحريّات الشخصية. وربما تُعاد الكَرّة اليوم لأن يستبدل خصوم المحافظين برامجهم كما فعلوا بعد خسارتهم لانتخابات المجلس التشريعي الرابع.


بقيت نقطة أخيرة أختم بها الحديث لأصلها بعد أيام بتناول مُوسّع. وهي أن أي تسويات غير قانونية للجدل الذي صاحب إعلان نتائج الانتخابات ستأخذ شكلاً سياسياً حتماً.


وبالتالي فإن هذه التسويات السياسية (التي تبدو مُستبعدة بعد خطاب المرشد) إن تمّت فإنها لن تُغيّر من واقع الخريطة الناخبة، ولا بالمزاج العام للناخب الإيراني، ولا حتى بالبرامج التي تُؤثّر على اتجاه ورقة الناخب. وهو ما يعني حلحلة آنية لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض.

شارك هذا الموضوع