شارك هذا الموضوع

إدواردو آنيلي

إدواردو آنيلي


في الخامس عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2000 وُجِدَ إدواردو جيوفاني آنيلي ممدداً تحت جسر سافينو بمدينة تورينو إلى الشمال الغربي من إيطاليا. أوّل من شاهد الجثة هو مساعد شبكة المواصلات الإيطالية المهندس كارلو فلاكيتي. هكذا كانت الرواية الرسمية.


من خامرهم شكّ وريبة في طريقة وفاة إدواردو قالوا شيئاً آخر. ربما قُتِلَ الرجل غدراً لجدليّة شخصيته في أوساط العوائل المخمليّة. فهو مُتحوّلٌ من المسيحية إلى الإسلام. وزائر منتظم للأفكار الدينية التجديدية التي كان ينضح بها خطاب الإمام الخميني منذ أن زار الأول الأخير بعد انتصار الثورة الإسلامية ودار بينهما حديث خاص.


وإذا ما عُرِفَ بأن المغدور به هو نجلٌ للملياردير الإيطالي الأسطورة جيوفاني آنيلي مالك شركات فيات ولومبرجيني وفيراري المنتجة للسيارات الفارهة، وصاحب الامتياز في نادي ليوفنتوس الإيطالي. فإن تحوّل الإبن من دين آبائه إلى دين آخر يُصبح محل نظر.


وربما أكتب اليوم عن هذا الرجل على رغم مضي ثمانية أعوام على وفاته لأنني أفهم جيداً أن إيطاليا وألمانيا بالتحديد عاشتا سنوات استثنائية إبّان عهد الرايخ الثالث والموسولينية الشوفينية. وربما تُصبح الأرض الإيطالية أكثر امتيازاً في محاكاة تاريخها لارتباط البابوية بها، وبالتالي الحديث عن سوسيولوجيا الأديان فيها، وكيف هي العلاقة القائمة فيما بينها.


اليوم يوجد أربعة عشر مليون مسلم يعيشون في دول أوروبا الغربية بشكل رسمي. وعلى رغم أنهم يُشكّلون رقماً عددياً مهماً بين الأقلّيات الأخرى إلاّ أنهم يواجهون تحديات حقيقية في العلاقة مع شُعَب المسيحية الثلاث: البروتستانتية في الشمال حيث المملكة المتحدة والدول الاسكندنافية وألمانيا، والأرثوذكسية في الشرق حيث اليونان وروسيا وأوكرانيا، والكاثوليكية في الجنوب حيث البرتغال وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا.


وبالرجوع إلى التاريخ المحكي القريب تظهر كل من إيطاليا وفرنسا الكاثوليكيتين كأهم وعائين عاشا مشكلة مع المسلمين. ففرنسا ضربت بساقيها الأرض حتى أبدى الشرّ عن ناجذيه نتيجة الحجاب والمُحجّبات.


وإيطاليا تبجّحت بأيديولوجية مسيحية عرجاء حين تحدّث رئيس وزرائها سيلفيو برلسكوني في سبتمبر/ أيلول من العام 2002 عن تخلف الحضارة الإسلامية، وضرورة غربنة العالم، ثم تحدّثت مواطنته أوريانا فالانشي في كتاب لها عن الإسلام والمسلمين بشكل فجّ وعنصري.


بالتأكيد، ليس معنى ذلك أن الأوروبيين دينيون بالمعنى التقليدي، فـ 96 في المئة من كاثوليكييهم علمانيون، والمُمارسون للشعائر الدينية منهم لا يزيدون على الـ 59 في المئة، بل إن الكنيسة الفاتيكانية لم تنجح في توثيق «مسيحية أوروبا» في الدستور الأوروبي، لكن اللافت أن من رفضوا ذلك التوثيق المسيحي هم أيضاً يرفضون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي خشية من كتلتها البشرية المسلمة (سبعين مليون إنسان).


وهنا يجري البحث بين المفكرين عن نوعين من الكولونيالية: واحدة ترشّدت مؤسساتها وتصلّب عودها لدرجة اليقين بالنفس، فلا تُبالي إن هَجَعَ بين أضلعها ملايين الناس ممن يُغايرونهم الدين والهوية، وأخرى مازالت تتقافز بين مشاعر لادينية وإلحادية لكنها لا تستغني عن استدعاء تلك المشاعر الدينية الفردية كتعويض منها عن غياب العلاقة السليمة بين الأفراد وبين السلطة القادرة على تديينهم بشكل ناظم، وهو ما يحدث بالضبط في أوروبا.



التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع