شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (39) - مُحاولةٌ فاشلة

القوة تدعو إلى الظلم ... والظلم يدعو إلى البطر ... والبطر قائدٌ يُعربد في الرؤوس ... وبتلك القوة يقضي الإنسان على نفسه مظلوماً ... ظالماً نفسه ... بعربدةٍ طائشة يرسل الإنسان حتفه إلى نفسه ...


استدعت الداخلية مسئول المأتم ... بلا مُقدمات أبلغوه بأمرٍ غريب ... لا تخرجوا بالموكب هذه الليلة ... ليلة وفاة الإمام الكاظم (ع) 1412هـ ... مُحاولة لتضييق الخناق على المواكب ... يبدو أنها في طريقها إلى التوسع والخروج عن السيطرة ... في تلك الليلة الماطرة أخبرنا بأمر الداخلية ... عقدنا اجتماعاً طارئاً للإدارة ... لم يتقبل أكثر الإداريين أمر الداخلية ... سيّما أنه دون مبرر يلزم ... أصرَّوا على الخروج وإحياء الذكرى ... تحدياً لعوامل الشتاء ولمنع غير مبرر ...


أقمنا الموكب وخرج بصوت مُحسن العرادي في قصيدة المسير ... والأمطار متواترة ... ألقيت مقدمة ووقفة ... المقدمة تخوض في مأساة الجزائر الطارئة حديثاً ... بين الإسلاميين والعسكريين ... رباه يا رباه ... اشتدت المأساة ... شجب لتعطيل الدستور لديهم وترجيح القبضة العسكرية ... قلت فيها ... وجاؤوا بالشيطان كي يجيد الدور ... فأينه الحق وأينه الدستور ...


وكأنّ الكلمات تستشرف المستقبل لما سيحدث في بلدنا البحرين ... من سلب حقوق وتعطيل للدستور ... في فجر اليوم التالي كان الاستدعاء أول ما صبّح بنا ... حضر المسئول في المركز ... أبدى الضابط غضبه في وجهه لمخالفة الأوامر ... أعتذر له بأنَّ الإدارة لم تجد مبرراً لعدم الخروج ... وإنَّ هذه المناسبات من صميم العقيدة ... وهي تجري في دمائنا ولا يمكننا الاستجابة لمجرد أمر دون أسباب ... صرفه الضابط ولم تجر أية مضاعفات للموضوع من ناحيتهم ...


في تلك الأيام كان على المأتم أن يخطر المركز بأية ذكرى قبل إحيائها ... ولم تكن تلك الحركة إلا محاولة لجس النبض ... أنستجيب ونركن للأوامر مذعنين أم ماذا ؟!... فكانت المحاولة فاشلة .


تلفحنا محاولاتهم وضغوطاتهم ولا تنكسر قناتنا ... من هذا الواقع وواقع أئمتنا المليء بالظلامات قدمت وقفتي الأخيرة قبل انصرافي لأداء فريضة الحج ... كلما أعود بخاطري للأيام أنظر مآسي ...


تروي الكلمات معاناتنا بين المسلمين ... وإقصاءنا كمذهب فقهي معتبر ... الوقفة جاءت بأسلوب جديد ... أقدم الأبيات ببطء يُناسب مقدمة الوقفة ... ثمَّ أضخ السرعة فيها بدرجات متتالية حتى تصل إلى سرعة الوقفة ... أو أنقلها من اللحن البطيء إلى السريع مباشرةً .


ورحلت لأداء المناسك بعدها ... في الوفاة التالية ... ذكرى استشهاد الإمام الباقر (ع) ... كذكرى لي وبسبب غيابي الذي لم يسبق حصوله عن الموكب ... ألقى الأخوان جعفر ومهدي سهوان قصيدة بلحن ... مكتوبٌ على راياتِ الإمام ... بنص جديد طبعاً ... بجرعات مضاعفة من الحماس أديا القصيدة ... حسب ما سمعتها من التسجيل بعد عودتي من الحج ...


في موسم الحج تمر بنا مناسبتان ... ذكرى وفاة الإمام الجواد (ع)... أحييناها في سرداب عمارة تقطنه حملة الشيخ منصور حمادة ... مختبئين بالتأكيد فلا يمكنك أن تتمتع بكامل حريتك في ظل وجود من يكفرك ... ولا بد من محاربتك ووأد طقوسك بما أوتيَ من سلطة ... سلطة القمع واللا نقاش ...


في يوم آخر أحييت المناسبة لدى الأخوة النخاولة ... شيعة المدينة المنورة ... في شقة نائية وبتستر وحيطة ... هذه دول التعاون ... نحن في البحرين نحظى بإجازة لإقامة عاشوراء ... ونسفر عن شعائرنا في الشارع ... بينما في الجوار لا يتمكن أحدهم من التصريح بهوية مذهبه...ولو تفوهت باعتراض سيقال لك اشكر ربك على ما أنتَ فيه ... مضحكٌ الأمر... كمن يسلب أرضك ... وعندما يعيد لك نصفها يريدك إبداء القبول لمجرد رؤية مغتصب آخر لم يُعد شيئاً مما اغتصب ....الذكرى الأخرى وفاة الإمام الباقر (ع) ... أحييناها في السكن في مكة المكرمة بلطمية متواضعة ..


محاولات التقريب بين المأتمين على قدمٍ وساق قائمة ... اقترحنا في 1413هـ ثنائياً يجمعني والرادود رياض يوسف ... الأول قدمناه بقصيدة ... واقتيلاً واصويباً ... ليلة سابع في مأتم السنابس ... والثاني في الليلة التي تتلوها بقصيدة ... استمع هذي الوصية الخالدة ... في مأتم بن خميس ...
تتعدد لدينا في الموكب مرافقه ... الزنجيل يلقى اهتماماً خاصاً... في السنوات السالفة كانوا يمارسونه بزناجيل تحمل في نهاية سلاسلها سكاكيناً ... يخلعون أقمصتهم ويدمون ظهورهم بتكرار الضرب عليها بالسكاكين ... بعض السكاكين طبيعية ... وبعضها ذات أشكال غير مألوفة ... ملتوية الأجسام ... حادة الشفرات ... تقع على الظهور فتحدث أثاراً بليغة ... فتتصبب الدماء على سراويلهم وملابسهم السفلية ...


النمط الأغلب الأكثر يستخدمون زناجيل ذات سلاسل مجرّدة من السكاكين ... ولا يخلعون أقمصتهم ... القليل النادر من يجرد ظهره من اللباس باستخدام هذه السلاسل ... ولعل ضرب الظهور بهذه السلاسل مواساة لما لاقاه أسرى كربلاء من قيود وسلاسل آسريهم ...


ولموكب الزنجيل مراسيم خاصة ... يؤدى الموكب بطريقة استعراضية عسكرية ... يشكله صفان متقابلان طويلان ... يمشي الصفان بحركة جانبية ... وبتحريك الأرجل على إيقاع الطبل والطاسة النحاسية ...


كلما طال صف المشاركين تطلب الأمر المزيد من الطبول والطوس ... يقرع صاحب الطبل على الطبل بطريقة مشابهة لضربات اللطمية الثلاث ... ويتوالى ضرب المعزين على ظهورهم بالزناجيل على إيقاع الطبل ... مرة يمر بالزنجيل من جهة عاتقه الأيمن والثانية تمر بعاتقه الأيسر ...


وللإيرانيين ولع بهذا الموكب ... يُجيدونه أكثر من غيرهم ... فترى بعضهم يستخدم الزنجيل بثقة ودقة وبراعة ... ينقله من يدٍ لأخرى ... أثناء تحويل الضربة إلى العاتق الآخر ... وبعضهم يستخدم قطعتين من الزنجيل ثقيلتين ...


لأول مرة شاركت في هذا الموكب في عام 1413هـ بقصيدة ... ابكربله يا محروم ... الزنجيل يحتاج لتركيز الرادود ... عليه الدخول بلحنه بعد انقضاء ضربة الطبل الأولى ويدخل مع الثانية ... بعض القصائد تُلاقي تفاعلاً جماهيرياً فيتجاوب المعزون مع نهاية أقفالها ...


يعتمد القائمون على هذا الموكب أسلوب الفواصل لتنشيط الموكب ... في هذا الفاصل يصمت الرادود أو يُردد فقرات معتمدة ... يرددها بعبارات مختلفة ... ويُجيبه الجمهور بردٍ واحد على كل العبارات ... هو يقول ... يا بن الزهره ...على الغبره ... من غسله ... من كفنه ... والجمهور بحرقةٍ وتفجع وحرارة إحساس يُجيب ... يا حسين... ولربما ابتدأها الرادود مفتتحاً ...حسين حسين حسين ... واختتمها بها

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع