شارك هذا الموضوع

تجارب موكبية في سيرة رادود (33) - ثُلاثيٌ لأوّل مرّة

يتفق أن تأتي الخطوة على الخطوة ... ممكن أن تضع قدمك مكان ما وضعها آخرٌ قبلك بأمدٍ بعيد ... لا تجعل آثارك بلا لون ... استخدم الإلحاح في تلوين واقعك بأجمل ما تستطيع ... خطواتك اجعلها واضحة ... حتى وإن كانت بمحاذاة خُطى السابقين ... اجعلها مُميزة ... يُشير لها البنان بتفرُدها ...


بدأ العُنفوان يتقاطر من أطراف الموكب ... تلاطمٌ من فيض الطاقات ... موسم صفر وعاشوراء تفوحُ منهما رائحة المشاعر الملتهبة بالعشق الولائي ... الظواهر ترتجل تباعاً ... لحظة فراغ يسكت فيها الرادود ... يملؤها أحدهم بشعار ...


استولى شعار ... يا مهدي أدركنا ... على المشاعر قاطبة ... فرد يغتنم لحظة سكوت من الرادود فيهتف ...يا مهدي ... يُلبيه الجمهور بأجمعه فوراً... أدركنا ... الإرتجال آفةٌ فيها مصارعُ الأعمال ... حينما لا ينتبه الرادود لدخول الشعار في سكوته ... يحدث خللاً بعودته مع تلبية الجمهور بالجواب ... كثيراً ما تكون تأدية الشعار مناسبة ... حين تكون بتنسيق مسبق بين الرادود ومن يرتجل الشعار ...


استهوتني الألحان المنبرية ... بالطبع فهي قريبةٌ من القلوب ... وتتقاطر بسماعها لوعات السامعين ... على وزن ملحمة محمّد بن نصَّار ... وباللحن الذي يكرره رُواد المنبر كل عام ... جابه ومدده ما بين أخوته ... وظفت اللحن للفقرات ... مع تصعيد الصوت بطبقة الجواب ... في ليلة السابع من المحرم.


أستطيع القول أنَّ القصيدة تملكت القلوب لو لا وجود ما عكّر صفوجوّها ... اضطراب وتشاغل في مُقدمة الموكب ... الشباب المشتعل حماسة يودون المشي بالموكب بطريقة المشي للوراء ... يُعطيك وجهه ويسير للخلف ... القائمون على تنظيم الموكب لم ترُق لهم الطريقة ...قصيدتي ... سمعة لأخو حسين ... انقضت بها تلك الليلة من محرّم 1410هـ بين قِيْل ٍ وقال ... بأي آذان ٍ يعون قولاً وهم بين أخذٍ وردْ .


برع ا لبعض في إنتاج الألحان ... سعيد داغر له هذه المَلَكة ... أنتج مجموعة من الألحان ... يُدون اللحن في جهاز التسجيل ... ثمَّ يهبه لأحد الرواديد ... أعطى لحناً جميلاً لمكي جاسم ... كتبت له القصيدة لِيُقدمها ثُنائياً معَ عبدالله الطبّال ... كربله وين أهلنه كربله وين ... أثناء التدريب في بيت مكي جاسم خلصنا بنتيجةٍ مَفادُها أن انضممتُ إلى الثنائي فصارَ ثُلاثياً لأول مرة ...


عقدنا اتفاق أن نُنفذ هذا الثلاثي مرتين ... في ذكرى الأربعين في مأتم بن خميس ... وفي ذكرى الرسول في مأتم السنابس ... وكانَ لنا ما أردنا ...


في السابق لا نجد مُزاحمة في إلقاء قصيدة المسير بمعية وقفة ... القصائد بسيطة التركيب ... ذات لحن وانعطافةٍ لا أكثر ... قدمت وقفة ... يا غريب زينب اوياها اليتامى ... آه آه ... لدى أول تقديم وبالمحاولة ... وجدت صعوبة تنفيذ كلمتي (آه آه) ... بإيعاز وتوجيه من بعض المُتمرسين في الموكب ألغيت الآهتين ...


الإنتباه للأمر وإصلاحه أمرٌ مُلِحٌ وضروري ... أمّا المُكابرة والإصرار على السلب لتحويله لإيجاب ... فذلك طلبٌ للمستحيل ... وهذا لا يُزعزع الثقة بقدر ما يعطيها دفعة لإعادة النظر في اللحن قبل تطبيقه العملي ... وما أكثر الدُروس التي تلقيناها في باكورة نشاطنا الموكبي ... ولكل رادود تجاربه التي يستفيد منها في تكوين رؤية خاصة ... ولكل رؤية احترام وتقدير ما دامت ناتجة عن حصيلة معرفية ...


ومن عادتنا التردد على مجلس سيد عيسى شرف ... نتناول أمور الموكب ... من هُناك أستنير بأراء الأخوة في ما يلزمنا من مواضيع ... عالجت موضوع الإخلاص في قصيدة ... دعوة عظمى في القرآن ... كل الطرح بالطبع يستمد أصوله وفائدته من أهل البيت (ع) ... وبالعودة إلى رزاياهم وربطها بالموضوع ...


حين طغا في المجتمع أمر الحب في الله بمفهومه الخاطئ ... جئت بقصيدة ... ها هي القافلة العُظمى في أرض الشهادة ... استعرضت فيها حقيقة الحب في الله وما ينبغي أن يكون عليه ... ونددتُ بالظواهر الشكلية وعرّجت على ما علمنا أهل البيت (ع) من حب في الله .


عندما تعود الذاكرة للوراء شيئاً يسيراً تجد صوراً لا زالت عالقة في الذهن ... صوراً تجد فيها الموكب محاطاً بالعشراتِ من المسجلات ... من مختلف الأحجام ... تحيط الموكب من الجهات كلها ... الكل من أصحاب هذه المسجلات يحرص على التقاط الصوت بنفسه ... وفي هذا الخِضم المتومج من الآلات التسجيلية ... لا تستطيع أيدي المُتحمسين في تأدية عزائهم الإنتباه لها ... رُبما حدث أن صفع أحدهم سهواً مسجلة ... فألقاها مبعثرة أحشاؤها فوق الأرض ... ويشتد حينها الحنق بصاحبها لخسارةٍ لا يستطيع تعويضها ... فكيف يتمكن من تسجيل ما فاته من صوت ؟!.


من خلال الممارسة يكتشف الرادود ثغرات نفسه ... وكيفية علاجها ... يتلجلج اللسان أحياناً ... ويخطأ في نطق بعض الكلمات ... بفن وبمدارت عليه معالجة الخطأ ... لا بأس أن يتوقف ... ويؤكد تشجيعه للجمهور ... بعض الحالات يدرك فيها الرادود خطأ ما وقع فيه ... يعقب عليه بكلمة (يا علي ) ... إنما المراجعة السليمة تجنبه مواقع الزلل والخطأ ..


ولا نغفل ما للقرآن من دورٍ في حياة المسلم ... بنفس وزن قصيدة ... يا أمّةً ثارت على أمر الرسالة ... أنشأت قصيدة ... أحزنتنا أيتمتنا أبي محمّد ... تحث المسلم على رعاية القرآن قراءة وفهماً ... وأعود في وقت ذكر وفاة الرسول (ص) بالأبيات الأولى للقصيدة السالفة ... وحين ذكر الأبيات تعود بالجمهور الذكرى لتلك القصيدة ...


قد نعتقد أحياناً أن الجمهور يتخلى من ذاكرته عن ذكر ما مضى ... كلا فهو محفورٌ في ذاكرته ما إن تعود له إلا ويتذكره ... وبعودته يعطي اللحن الجديد بُعداً مختلفاً ... قد يساعد على إعطائه دفقة نجاحٍ أخرى ..


وكلما عادت بنا الذكرى لوفاة الزهراء (ع) ... ننشد في مظلوميتها ... بنت الرسول وريحانته من الدُنيا ... تغادر الدنيا في ريعان عمرها ... ويبقى موضع قبرها سراً ... لمدة أربعة عشر قرنا ... سرٌ ما في هذا ... دلالةٌ على أن الأمة لم تستطع حفظها حيةً ... ولم تتمكن من الإحتفاظ بقبرها ... وكأنّ ظلامة أخرى تقول ... لا يوجد قبرٌ للزهراء ... فهي ما زالت موجودة ... فلا يعتقد ظالمها أنها رحلت ... فليس من قبر يدل على مواراتها ...


هي في كل أرض صوت يؤرق ليل الغاصبين ... وما أكثر قصائدنا في ظلامتها ... في وقفة كتبت ... أماه ناداك صوت الحسنين ... السلام على من بلا قبر يرى ... ولعمر الله ذلك صوت شيعتها ومحبيها يخترق الحُجُب باعثا السلام لها في الآفاق ...

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع