شارك هذا الموضوع

من الإشارات العلمية في القرآن الكريم

من الإشارات العلمية في القرآن الكريم


خصّ الله كل نبي من أنبيائه بمعجزة تتناسب والفن الذي برع به قومه، فكانت معجزة موسى عليه السلام السحر، ومعجزة عيسى عليه السلام الطب، وكانت معجزة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وسلم القرآن لاشتهار العرب بالفصاحة والبلاغة . ويبدو أن ظهور الكثير من الحقائق العلمية في العصر الحديث مما قد أشار إليه القرآن تصريحاً أو تلميحاً منذ ما ينوف عن أربعة عشر قرنا مما يدل على أن القرآن ليس كتاب بلاغة فحسب بل كتاب علمي أيضاً يموج بشتى أنواع المعارف : ولعل هذا يتناسب وكون نبينا جاء بشيراً ونذيراً للبشرية جمعاء، وكتابه يخصّ الأمم كافة وليس العرب وحدهم، وإذا كان القرآن قد تحدّى العرب ببيانه وبلاغته فها هو ذا يتحدى شتى الملل على اختلاف أعرافهم وأديانهم ومعارفهم في مختلف الأمكنة والأزمنة بمعجزاته وبراهينه .
ويأتي كتاب «من الإشارات العلمية في القرآن الكريم» للمفكر السوري محمد كلزية ليميط اللثام عن بعض الحقائق التي تؤكد الإعجاز العلمي للقرآن في وقت لم يبق فيه أدنى شك أو ريب في صحتها بعد تكشفها بالصورة والتجربة والمشاهدة كما تؤكد أن دين الإسلام دين حيّ أبداً، ينبض بالحركة والحياة والحقائق ولا يقبل الضعف أو التخلف أو الموت والاندثار، ولعل هذه السمة قد جعلت الكثير من العلماء يعتنقون الإسلام ويزدادون يقينا وسحرا به بعد أن تكشف لهم إعجازه العلمي، علاوة على القيم الرفيعة التي تفوح منه لقد استطاع الكثير من العلماء والمفكرين الولوج الى خفايا القرآن واستخراج الأدلة في شتى جوانب الحياة وعلومها، كالأدب والتاريخ وعلم النفس والجغرافية والبلاغة، وغير ذلك من البراهين التي تدلل على عظمة الخالق وكبريائه .
ويأتي كتاب الأستاذ محمد كلزية ليجمع ما تشتت من الأدلة والبراهين العلمية في مجال الفلك والطب، وغايته الربط بين الإشارة العلمية القرآنية والحقيقة أو الظاهرة العلمية الثابتة التي عرفها العلماء في هذا المجال بعد نزول القرآن بزمن طويل بهدف لفت نظر القارئ إلى سبق القرآن لأنه كتاب علوي من لدن حكيم عليم .
لقد اثبت القرآن الكريم قدرته العظيمة على مخاطبة القلوب والعقول في شتى الأزمنة والأمكنة، ففي الوقت الذي كان يخاطب عرب الجاهلية بمستوى لغوي أو بلاغي ويبهرهم ويبهتهم بسحره وروعة بيانه، ها هو الآن يكشف عن آفاق وكنوز جديدة تتناسب والتطور الفكري والعقلي الذي شهدته البشرية بعد أربعة عشر قرنا، ويخلّف في العقول المتجبّرة اليوم ما فعله في القلوب المفكرة آنذاك، فيخّر الجميع أمام حججه وبراهينه الدامغة .
اجل، فالقرآن - وكما يرى الاستاذ كلزية ليس كتابا علميا متخصصا، ولا يهدف الى اثبات ظاهرة علمية. وانما يهدف الى استخدام الظاهرة العلمية وسيلة من وسائل الدعوة من خلال لفت النظر اليها باعتبارها جزءا من بديع صنعه جلّ وعلى، وآية دالة على وجوده وقدرته.
والمؤلف بارع في اختياره حينما اقتصره في بحثه على الاشارات العلمية القرآنية في مجالي الكون والطب، وهما الجانبان الابرز في حياة الانسان المعاصر حيث تناول العديد من الظواهر العلمية المكتشفة في هذا الصدد، ثم لفت الانظار الى مدى سبق القرآن في الاشارة اليها في منتهى العلمية والدقة والمؤلف لا يغفل آراء المفسرين السابقين بل يعرضها قبل ان يتناول الاراء العلمية المعاصرة، وذلك احتراما لتلك الآراء، واظهاراً لمدى عمق الكلام الالهي وبلاغته وقدرته على استيعاب الفكر البشري مهما تقدم، وانه اعظم واكبر من ان يناله تقهقر او ضعف وفتور، وانه يظل دائما محلقا في سماء الفكر البشري مهما تعملق.
الكتاب هذا يتضمن محورين، الاول يدور حول الاشارات القرآنية الى علم الكون والثانية اشاراته الى علم الطب. ففي مجال الكون يتناول المؤلف المسائل التالية:
مسألة الزوجية في الخلق، القوى التي يقوم عليها الكون، نشأة الكون، توسع الكون، بناء الكون، نهاية الكون، الشمس، ميلاد النجوم وموتها، السماء ذات الرجع، النجم الثاقب، اسبقية الظلام على النور، مواقع النجوم، الارض، الجبال، الدورة المائية، رب المشرق والمشارق، نقص الارض، الارض ذات الصدع، الحياة خارج كوكب الارض، آية الدخان، القمر، النيازك والشهب، نسبية الزمن، نفاذ الانسان من اقطار السموات والارض، طرائق السماء وابوابها، علم الفلك عند المسلمين.
وفي المحور الثاني اي فيما يتعلق بعلم الطب يتناول المؤلف الموضوعات التالية: اطوار الجنين، السلالة، البنان، اختلاف الالسنة والالوان، الصيحة، السمع قبل البصر والعين قبل الاذن، حواسنا المحدودة، العذاب بتبديل الجلود، الكتاب المبين، النظافة والوقاية الصحية، من علم الصحة الوقائية، تحريم الزنى واللواط، تحريم الخمر والميسر، تحريم زواج الاقارب، اعتزال النساء في الحيض.
والكتاب في مجمله سهل التناول سلس الاسلوب، علاوة على دقته العلمية المتناهية حيث يستند على الكثير من المصادر والمراجع العلمية المعتبرة ومما زاد الكتاب روعة ادبية المؤلف وجمالية الصياغة حيث طعّم كتابه بالعديد من الاشعار والحكم والعبارات اللطيفة اضافة الى توشيته وتزيينه بالصور العلمية الامر الذي زاد في سحره وجذابيته.
اجل، «من الاشارات العلمية في القرآن الكريم» كتاب علمي - ديني يقع في ۲۵۰ صفحة، صادر عن دار الرسالة في حلب، وهو بحق جدير بالفهم والتأمل.


مصطفى البكور - سورية

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع