شارك هذا الموضوع

الإمامة امتداد للرسالة في خط العدل

يقول الله تعالى في كتابه المجيد:{إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} (الأحزاب:33). من أهل البيت (ع) خاتمة الإمامة، إمام العصر والحياة والعدل الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.


ليلة النصف من شهر شعبان، هي ليلة العبادة والدعاء والابتهال والقرب إلى الله تعالى في الانفتاح عليه، في حساب النفس، والتخطيط لأن يكون الإنسان طائعاً لله في عبوديته المطلقة أمام الألوهية المطلقة، حتى يقترب الإنسان من ربه فيقترب من الإنسان الآخر ومن الحياة كلها.


في ليلة النصف من شهر شعبان، كانت ولادة إمامنا الحجّة ( عجّل الله تعالى فرجه) الذي التقت كل آفاق سره ومعناه والإعداد الإلهي لشخصيته، ليجعل بذلك نهاية الظلم في الحياة، ولتصبح الحياة كلها عدلاً، لا يظلم فيها إنسان إنساناً، ولا يعتدي فيها إنسان على إنسان.


هذا هو الحلم الكبير الذي لا يزال الناس في كلِّ أجيالهم يتطلّعون إليه، لأن الناس منذ قابيل وهابيل، عرفوا أنّه سيكون هناك دوماً من ينطلق في عدوانيّته تجاه أخيه. وهكذا عاشت البشرية ظلماً بعد ظلم، وأرسل الله الأنبياء لإزاحة هذا الظلم، ولكن أعداء الله والحياة، كما هي سيرة اليهود في تاريخهم، كانوا ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقتلون النبيين بغير حق(1).


المكمِّل للرسالة
لذلك، كانت مسألة المهدية في الإسلام التي خُتمت بها الإمامة، فالأئمة(ع) يمثِّلون امتداداً حركياً وثقافياً للرّسالة، وهم الذين ينطقون عن الرّسول(ص) ويؤصّلون كلَّ ما ورد من سنّته، ليقدّموها للناس، ليروا في السنّة تفاصيل الكتاب، وليروا في الكتاب عناوين السنّة.


وقد اختصّ الله تعالى الإمام الحجّة(عج) بعناصر وخصائص وملكات لم يختص بها أحداً غيره، جعلته المؤهَّل لليوم الموعود الذي يتغيّر فيه الواقع الإنساني إلى واقع يأخذ فيه المستضعفون حقوقهم، ويعيشون فيه حريتهم، على هدى الآية الكريمة، التي وإن نزلت في عهد موسى(ع)، إلاّ أنّها تحمل في مضمونها سنن الله في الكون إلى اليوم الموعود: {ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكِّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} (القصص:5-6).


الإيمان بالمهدي قضية إسلامية
أما في ما يخص قضية الإيمان بالمهديّ(عج)، فإنّ المسلمين كلّهم يلتقون على هذه القضيّة، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل. وقد ورد الحديث عن الإمام المهدي(عج) في روايات السنّة والشيعة، بحيث لم يختلفا في مسألته، وإنما اختلفا في أنه هل وُلد أو لم يولد، وإلا فالحديث عن الإمام المهدي هو حديث متواتر عن السنّة والشيعة. إنّه حقيقة إسلامية وليس مسألة شيعية، حتى إن بعض علماء أهل السنّة ركّز على اسمه وعلى أنه وُلد. وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي"، وفي حديث آخر: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلاً اسمه اسمي، وخلقه خلقي".


وورد عن "حذيفة" يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: "ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه، ويفر منهم بقلبه، فإذا أراد الله عزّ وجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً، قصم كل جبَّار عنيد، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها"، ثم قال (ص): "يا حذيفة، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب".


وعن أبي سعيد الخدري في روايته عن رسول الله(ص) يقول: "لا تنقضي الساعة حتى يملك الأرض رجلٌ من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً..."، وقد ذكر ابن خلدون في مقدّمته، أنّ الروايات التي وردت عن النبي (ص) في الإمام المهدي (عج) بلغت حد التواتر، بحيث أصبحت من الضروريات التي لا يمكن أن يشك فيها أحد.


ويقول(ص): "إني مخلّف فيكم الثقلين، كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسَّكتم بهما لن تضلوا، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ليؤكد (ص) من خلال هذا الحديث، أنه ما دام الكتاب بين أيدي المسلمين، فهناك رجل من عترته في الموقع القيادي للإمامة، وهذا لا ينطبق إلا عليه(عج).


غيبته (عج) وظهوره من غيب الله
أمّا غيبة الإمام المهدي (عج) وظهوره، فهما غيب من غيب الله تعالى، فكما أنّ لله تعالى الكثير من الغيب في عالم الآخرة، فإنّ له غيبه في عالم الدنيا أيضاً، ممّا عاشه الأنبياء والأولياء، ومن غيبه، غيبة الإمام المهدي (عج)، التي تمتد مع الزمن إلى ما شاء الله، خارجة عن المألوف في العمر وفي أكثر من جانب. فقضاء الله سبحانه قد ينطلق بغير المألوف لدى الناس، كما انطلق في معجزات الأنبياء، فتحوّلت العصا إلى ثعبان "يلقف ما يأفكون"، وتحوّلت اليد السمراء إلى يد بيضاء لدى موسى(ع)، وشقّ الله له في البحر "طريقاً يبساً"، وجعل عيسى (ع) يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأعطى محمداً (ص) المعجزة الكبرى، وهي القرآن الكريم، والكثير من الكرامات. وقد ذكر القرآن الكريم نوحاً(ع) الذي عاش ألف سنة أو تزيد قبل الطّوفان، {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً} (العنكبوت:14)، ولا ندري كم عاش بعد الطوفان خارج نطاق قومه، وحدّثنا الله تعالى في الآخرة عن يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدّون، وعن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.


إن الله تعالى الذي يمنح الإنسان عمراً قصيراً بقدرته، يمنحه عمراً طويلاً أيضاً بقدرته، فهو الذي خلق، وهو الذي قدّر، وهو الذي قضى، ولذلك لا مجال لأن يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الله، لأنه على كل شيء قدير، فقد يعترض المعترضون عندما تكون المسألة متصلة بقدرة الناس، لأن قدراتهم محدودة في ما يختارون وفي ما يتحركون.


تبليغ الرسالة:
قد يتساءل بعض الناس عن الفائدة والمنفعة من إمام غائب عن الأنظار، ولكن المسألة هي أن الإمامة تتحرك في خطّين اثنين:


الخط الأول هو الإمامة الظاهرة، والتي تتحرك في حياة الناس، لتبلّغ رسالة رسول الله(ص)، ولتستكمل كل ما يُراد للناس أن يفهموه ويعرفوه من الإسلام، في عقيدته وشريعته، وفي كل مفاهيمه ومنهاجه، وهذا ما قام به الأئمة من أهل البيت(ع)، منذ عليّ(ع) حتى الإمام الحسن العسكري(ع)، فقد ملأوا الدنيا علماً في كل ما يحتاجه الناس من العلم، حتى لم يعودوا في حاجة إلى شخص يعلّمهم ذلك. ويروى أنّ الشّيعة في زمن الغيبة الصغرى، كانوا يراسلون الإمام الحجة(عج) بواسطة السفراء الأربعة، وعندما حصلت الغيبة الكبرى، أرسل إليه البعض مسائل أشكلت عليه، فكان من جوابه(عج): "وأما الحوادث الواقعة ـ الجديدة ـ فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله".


إن رواة الأحاديث الذين رووا عن الأئمة(ع)، إضافةً إلى القرآن الكريم، وما ورد عن النبي(ص)، يستطيعون أن يعرّفوكم كل ما تحتاجون إليه، لأن النبي(ص) والأئمة من أهل البيت(ع)، لم يتركوا شيئاً يحتاجه الناس في كل أمور دينهم، مما يتحركون به في دنياهم، إلا وتحدثوا به، فليس هناك أي فراغ من الناحية العلمية، وقد ورد في الأحاديث: "العلماء ورثة الأنبياء"، بمعنى أن الأنبياء(ع) لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورّثوا علماً من علومهم. وورد عن النبي(ص): "العلماء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا" ـ ما داموا في خط الله والرسالة والمسؤولية ـ قالوا: وما دخولهم في الدنيا؟ قال(ص): "اتّباع السلطان ـ الذين يتبعون سلاطين الجور حتى يحصلوا على أموالهم، فيؤيدون هذا السلطان الجائر أو ذاك، ويصدرون لحسابهم في كل يوم فتوى بالحرب إذا أرادوا الحرب، وفتوى بالسلم إذا أرادوا السلم ـ فإذا فعلوا ذلك فاحذورهم على دينكم"، فانظروا إن كان يحبّ الله أكثر أو يحبّ الدنيا أكثر، لأنه إذا كان يحبّ الدنيا أكثر، فإنه سوف يتاجر بالدين لحساب الدنيا.


فمرحلة الأئمة(ع) كانت مرحلة إعطاء الرسالة كل ما تحتاجه من الوضوح، وإعطاء الناس كل ما يحتاجونه من الرسالة. ويبقى إمام واحد لم يُعدّ من قبل الله للتعاطي مع الرّسالة بالطريقة التي كان عليها الأئمة السابقون، وإنما أُعدّ من أجل أن يحكم العالم على أساس الحق، حتى يُظهر الإسلام في كل مكان في العالم، فلا يبقى هناك غير الإسلام. حتى إنه ورد في أحاديث أهل البيت(ع)، أنّ السيد المسيح عيسى بن مريم(ع) يخرج معه، وينفتح على دين الإسلام من خلال نصرته للإمام(عج). فالنبي(ص)، بحسب الظروف التي عاشها، والمشاكل التي واجهته، استطاع أن ينشر الإسلام في منطقة معينة، ثم جاء مَن بعده ونشروا الإسلام في مناطق أخرى، حتى أصبح المسلمون في العالم يمثلون ملياراً وبضعة ملايين شخص، ولكن في مرحلة الظهور، يشمل الإسلام العالم كله، بحيث لا يبقى للكفر أي موقع.


إقامة العدل هدف الرّسالة
والخطّ الثاني هو خطّ إقامة العدل في الأرض، وهو هدف رسالة الإمام(عج) {وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} (الأنعام:152)، {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} (النساء:135)، فالإمام ينطلق ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فمن أراد أن يكون من جنوده وأتباعه، فعليه أن لا يظلم أحداً ممن يعيش معه؛ أن لا يظلم عياله في بيته، ولا جيرانه في محلّته، وأن لا يظلم الذين يكونون تحت سلطته عندما يحكم، أو في موقع قضائه عندما يقضي. إذا كنت الظالم لزوجتك وأولادك أو جيرانك، فكيف تكون من جنوده؟ جنوده هم العادلون، السائرون في طريق الحق.


لذلك، اعرفوا ما هي حقوق الناس عندكم؛ عندما تعيش مع أبويك، اعرف حقهما عليك وحقك عليهما، وعندما تتزوج، اعرف حق زوجتك عليك وحقك عليها. لا بدّ من أن نعرف حقوق الناس لنعطي لكل ذي حق حقه، سواء كان صغيراً أو كبيراً. علينا أن نربي أنفسنا ومجتمعنا على العدل، وأن يكون كلٌّ منا الإنسان العادل، ليكون مجتمعنا المجتمع العادل، وأمتنا الأمة العادلة.


إن انتظار الإمام (عج) يفرض علينا أن نعدَّ أنفسنا على أساس المواصفات التي يتميّز بها أنصاره وأتباعه والسائرون في طريقه، لأننا عندما نكون الظالمين، صغيراً كان الظلم أو كبيراً، فإننا سوف نكون في الخط الآخر، خط أعدائه، لا خط شيعته وأتباعه، وهذا ما ينبغي لنا أن نفكّر فيه.


الوقوف مع المستضعفين
وعلينا أن نكون دائماً في عهد الغيبة مع المستضعفين في الأرض، الذين يعمل المستكبرون على مصادرة حقوقهم، وإضعاف مواقعهم واضطهاد إنسانيتهم، لأن الله تعالى يريدنا أن نقف مع المستضعفين المظلومين حتى لو كانوا كفّاراً. صحيح أنه لا بد لنا من أن نقف ضد الكفر، لكن لا بدّ من أن نقف ضد الظلم، حتى لو كان الظالم مسلماً وكان المظلوم كافراً، فالله تعالى يريد لنا أن نعطي كل صاحب حقّ حقه، سواء كان مسلماً أو كافراً؛ لا يجوز لك أن تظلم الكافر في حقه إذا كان له حق عندك، كما لا يجوز لك أن تظلم المسلم في حقه إذا كان له حق عندك، وقد ورد عن أئمة أهل البيت (ع)، أن الله تعالى "أوحى إلى نبي في مملكة جبّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبار وقل له إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين - لا أريد أن أسمع مظلوماً يشكو إلي في ظل حكمك - فإني لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً"، لأن الله تعالى يريد العدل للناس جميعاً، كما يريد الإيمان للناس جميعاً.


لذلك، لا بد من أن نكون مع المستضعفين في الأرض ضد المستكبرين فيها، لأن الله تعالى يرفض الاستكبار من كل إنسان؛ يرفضه من المسلمين كما من الكافرين، لأن الاستكبار يمثل علوّ الإنسان على الإنسان، والله لا يريد لإنسان أن يعلو على إنسان آخر، وقد قال الله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} (القصص:83) .


إعداد القادة
إن قضية الاحتفال بالإمام(عج) في ذكرى مولده،ليست قضية عاطفة نقدّمها إليه، وليست مجرد تمنيات نتمناها، ولكنها الطريق المستقيم الذي نلتزمه استجابةً لله عندما نقول له: {إهدنا الصراط المستقيم} (الفاتحة/6)، ليقول لنا في آية أخرى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّق بكم عن سبيله} (الأنعام:153). إن علينا أن نربي أنفسنا على أن نكون جمهوره وأتباعه وجنده، لنتحرك في ما تحرك فيه، ولعل أبلغ تعبير هو ما جاء في دعاء الافتتاح: "اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة"، أن ندعو الله أن يوفقنا لنكون في دولته ـ دولة الإسلام ـ هذه الدولة التي ينطلق فيها الإسلام ليكون في موقع العزة الكبرى، وليسقط فيها النفاق ـ كل نفاق ـ ليكون له الذلة، ويكون كل واحد منا في شخصيته وإحساسه وشعوره وحركته من الدعاة إلى الله، وأن نتحمّل مسؤولية هذه الدعوة؛ بأن نكون من الدعاة إلى الله في بيوتنا، لندعو أهلنا والناس من حولنا إلى طاعته، وأن نكون مشروع قائد، لأن الله يريد لكل مسلم ومؤمن أن يربي عقله وقلبه وطاقاته ليكون العقل القائد، والقلب القائد، والحركة القائدة، حتى إذا سقط قائد في الساحة كنت أنت القائد في غيابه... أن تنطلق الأمة لتربي كل نسائها ورجالها على أن يكونوا مشاريع قيادة بديلة. لنعمل على أساس صنع القيادات الإسلامية على جميع المستويات، سواء كانت قيادات فقهية أو سياسية أو فكرية، لأن الله تعالى حمّلنا مسؤولية الإسلام في بعده الفقهي والجهادي والسياسي والاقتصادي، حتى نستطيع أن نكون في موقع قيادة العالم.


لماذا نفسح للآخرين أن يقودوا العالم في الغرب والشرق، ونكون نحن الأتباع لكل قيادة ظالمة أو كافرة؟ ثم، إن المسألة أن الإمام(عج) إذا كان الله تعالى قد أعدّه من أجل أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، فعلينا أن نكون العادلين في أنفسنا فلا نظلمها، وأن نكون العادلين في بيوتنا فلا نظلم أهلنا، وأن نكون العادلين في كل مجتمعنا، ليكون كل واحد منا الإنسان العادل الذي يعدل مع المسلم والكافر، ومع القوي والضعيف.


الانتظار الإيجابي
إن الذكرى تحمّلنا مسؤولية أن نتطلّع إلى تلك المرحلة التي يظهر فيها الإمام(ع)، لنعرف أننا إذا بلغناها ما هو دورنا؛ هل نكون مع أعدائه أم نكون مع مواليه ومحبيه؟ إن الحب لا يكفي لأن نكون من أنصاره، فنحن نقرأ في سيرة الإمام الحسين(ع) في كربلاء، أنه سأل الفرزدق الشاعر عن خبر الناس بالكوفة، فقال له: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"، لأن سيوفهم ليست في خدمة دينهم وعقيدتهم، ولكنها في خدمة أطماعهم وأموالهم. ونقرأ في سيرته(ع)، أن بعض جند بني أمية كانوا يسلبون الأطفال ما عليهم وهم يبكون، وكانت طفلة تسأل ذلك السالب: كيف تبكي وأنت تسلبنا؟ فقال: أخاف أن يسلبك غيري... وقد قال الإمام الحسين(ع): "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحّصوا بالبلاء قلّ الديّانون".


لذلك، علينا أن نستعد لنكون من المنتظرين الإيجابيين، أن تجلس مع نفسك وتسألها: هل أنا مع رسالته وخطه ومع العدل كله أم لا؟ فإذا رأيت في نفسك ضعفاً في الرسالة الإسلامية وفي الالتزام والأخذ بأسباب العدل، فحاول أن تقوّي نفسك، حتى إذا جاء الإمام(عج) وجدت نفسك جندياً من جنوده.


ذكرى مولده(عج) هي مناسبة للتأمل والتفكير ومحاسبة النفس: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا". اللهم اجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.


الانتظار مع حمل الرسالة
وأخيراً، نختم بالدعاء: "اللهم صلّ علي وليّ أمرك القائم والعدل المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيده بروح القدس منك يا ربّ العالمين، اللهم اجعله الداعي إلى كتابك، والقائم بدينك، استخلفه في الأرض كما استخلفت الذين من قبله، مكّن له دينه الذي ارتضيته له، أبدله من بعد خوفه أمناً يعبدك لا يشرك بك شيئاً، اللهم أعزّه وأعزز به، وانصره وانتصر به، وانصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً يسيراً، واجعل له من لدنك سلطاناً نصيراً".


إننا ننتظره ونترقب ظهوره في كل وقت، {إنهم يرونه بعيداً* ونراه قريباً} (المعارج:6-7). ولكننا ونحن ننتظر قدومه، علينا أن لا نتجمّد أمام حركة الكفر الذي يريد أن يقتلع الإسلام من جذوره، وأن لا نقف متخاذلين حائرين أمام الظلم كله والاستكبار كله، الذي يريد أن يقهر المستضعفين في كل قضاياهم، ولكن علينا ـ ونحن الذين نؤمن بمن سيأتي حاملاً رسالة العدل في العالم، لأن الله تعالى أعدّه لتحقيق العدل العالمي في مواجهة الظلم العالمي ـ علينا أن ننتظره ونحن نحمل رسالة العدل في كل قلوبنا وحياتنا، لنمهّد له القاعدة حتى يأتي فيستكمل العدل في كل مكان.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع