شارك هذا الموضوع

مقدمات الحج

من أجل استجلاء أهداف الحج واجتناء فوائده لا بد لنا من الوقوف بتدبر عند كل واجب وكل شعيرة من شعائر هذه الفريضة المقدسة، ولكن لهذه الشعائر مقدّمات لا بد من الوقوف عندها حتى نركّز أسس الحج الصحيح.


النية الصادقة
وأول واجب من واجبات الحج وأهم ركن من أركانه هو النية الخالصة المعتبرة في صحته وتحقق الغاية المقصودة منه شان سائر العبادات.


ولا بد من التنبيه على ما يخالط هذه النية من شوائب الشرك الخفي وهو الرياء الذي لا يسلم منه إلا من رحمه الله تعالى ونحذّر من الإصابة بهذا المرض الخطير الذي يُؤدي بحياة عباداتنا لتقع باطلة بسبب فقدها أهم شروط صحتها، كما يؤدي إلى خسران الثواب الذي لا يحصل للإنسان إلا إذا توفق للعمل الصالح الصادر عن النية الخالصة والقصد السليم من كل الشوائب المؤثرة على تحقق الإخلاص المصحح للعبادة والمقرب للعابد من ساحة القبول منه تعالى ونيل رضوانه.


هذا وتختلف درجة الإخلاص في النية قوةً وضعفاً باختلاف درجة إيمان العامل المخلص، فهناك قسم من العاملين يريد بعبادة الله وإطاعته نيل التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة، وعُبّر عن هذا النوع من العبادة بأنه عبادة التجار. وهناك قسم منهم يعبد الله سبحانه ويطيعه بقصد السلامة من الفشل وعدم التوفيق في حاضر الدنيا ومن عذاب النار في الآخرة، وعُبّر عن هذا النوع بأنه عبادة العبيد. وأُضيف إلى النوعين المذكورين نوع ثالث وهو الذي يصدر من العبد المؤمن الواعي لا بدافع الرغبة ولا بعامل الرهبة بل بدافع المحبة لذات الله سبحانه، والإيمان بكونه أهلاً للعبادة ويتجلى هذا النوع السامي الواعي في عبادة العارفين بالله تعالى الذين ذابوا في ذاته المقدسة حباً فازدادوا منه قرباً. وفي طليعة العارفين بمقام الربوبية وحقها العظيم النبي(ص) وأهل بيته (ع) وخصوصاً الإمام علي (ع) القائل في مناجاته لله سبحانه:


"إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكنني وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك".


الرفيق الصالح ودوره الإيجابي:
بعد أن يحرز العازم على القيام برحلة الحج المباركة، التوفيق والنجاح في الخطوتين الأوليين وهما الخطوة الأولى التي طواها في طريق تخليص النية من الشوائب، والثانية هي التي طواها في سبيل تطهير ماله من الحقوق.


يحتاج بعد ذلك إلى خطوات أخرى متممة لهاتين الخطوتين وتأتي خطوة اختيار الرفيق الصالح الذي ينطلق معه في سبيل تأدية فريضة الحج المقدسة لتكون في الطليعة بين الخطوات الإيجابية التي يطويها في هذا السبيل المبارك.


ونقصد بالرفيق الصالح في محل الحديث المعرّف الذي يضع المسافر في طريق الحج نفسه وماله وفريضة حجه أمانةً في يده من أجل أن يحفظها له ويحافظ على راحته وصحة حجه وبراءة ذمته منه. لذلك يُطلب منه بذل الجهد المستطاع في سبيل الظفر بهذا الرفيق الذي يُطلب منه بذل الجهد المستطاع في سبيل الظفر بهذا الرفيق الذي يُطلب توفر شروط أساسية فيه ليتمكّن من النهوض بمسؤولية التعريف وهي كثيرة أبرزها ما يلي:


الأول: التفقه في الدين بالإطلاع على المسائل الشرعية التي تقع محل ابتلائه وابتلاء الآخرين الذين يخالطهم، وخصوصاً الأحكام الشرعية المتعلقة بفريضة الحج، ويتأكد ذلك بالنسبة إلى الأشخاص الذين تحمل مسؤولية تعريفهم وتعليمهم أحكام هذه الفريضة لتصبح رحلة الحج بذلك مدرسة سيّارة يتلقّى المنطلقون فيها، لتأدية الفريضة المذكورة، دروساً متنوعة وأهمها الأحكام المتعلقة بفريضتهم التي سافروا من اجلها وبذلك يصبحون طلاباً للعلم والمعرفة الصحيحة التي تضيء لهم درب الإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل. كما تعرّفهم أحكام حجهم ليأتوا به على الوجه المطلوب.


الثاني: شرط الوثاقة بمعنى كون المعّرف ثقة معروفاً بالصدق والأمانة ليصح الأخذ بقوله عند ما يخبر بوقوع أي عمل من أعمال الحج صحيحاً واجداً لشروط الصحة المعتبرة وفاقداً لما يؤدي إلى البطلان.


ولذلك اشترط الفقهاء فيمن يُراد استنابته للعبادة عن الميت أو عن الحي، حيث تشرع النيابة عنه كما في الحج وبعض واجباته، كونه ثقة ليصح الأخذ بقوله إذا أخبر بأصل وقوع العمل النيابي أو بوقوعه على الوجه الشرعي المبرىء لذمة المنوب عنه.


الثالث: أن يكون معروفاً برحابة الصدر وقوة الصبر ليتمكن من النهوض بمسؤولية التعريف والمحافظة على راحة الحجاج وسلامتهم من أخطار ومضار عديدة يتعرضون لها بسبب شدة الازدحام وتغير الجو كما يتعرض بعضهم للضياع، وقد حصل للكثيرين سابقاً. وهنا يأتي دور قوة صبر المعرّف وشدة اهتمامه ومحافظته التي تسلّم أفراد قافلته وتقيهم من التعرض للأخطار والأضرار وإذا تعرض أحدهم لشيء من ذلك بذل أقصى الجهد في سبيل إزالته عنه مهما كلفه ذلك من تضحيات.


مستحبات السفر
ذُكرت أمورٌ وآدابٌ كثيرة يستحب للمسافر مراعاتها والقيام بها لكونها منطلقاً لتحصيل العناية الإلهية والرحمة السماوية التي تمهد لسبيل النجاح.


وهذه المستحبات كثيرة ولكننا سنقتصر على ذكر بعضها، وهو الأهم، كما وردت في كتاب "مفتاح الجنات" للمرحوم السيد محسن الأمين(قده)، وكتاب "مفاتيح الجنان"، للشيخ عباس القمي(قده) ومنها:


1ـ استحباب قراءة الدعاء التالي قبل السفر:
"اللهم بك يصول الصائل وبقدرتك يطول الطائل ولا حول لكل ذي حول إلا بك ولا قوة يمتارها ذو قوة إلا منك بصفوتك من خلقك وخيرتك من بريتك محمد نبيك وعترته وسلالته عليه وعليهم السلام صلِّ عليهم واكفني شر هذا اليوم وضره وارزقني خيره ويمنه واقضِ لي في متصرفاتي بحسن العاقبة ونيل المحبة والظفر بالأمنية وكفاية الطاغية وكل ذي قدرة على أذية حتى أكون في جُنة وعِصمة من كل بلاء ونقمة وأبدلني فيه من المخاوف أمناً ومن العوائق يُسراً حتى لا يصدني صادّ عن المراد ولا يحلّ بي طارق من أذى العباد إنك على كل شيء قدير والأمور إليك تصير يا من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".


2ـ استحباب أن يختار الرفقة الملائمة من الثلاثة فصاعداً ويكره أن يسافر وحده.
وإذا اضطر للسفر وحده فليقل:
ما شاء الله ولا حول لا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي وأعني على وحدتي وأدِّ غيبتي.


3ـ استحباب أن يُوصي والوصية بصورة عامة قسمان:
الأول الوصية الواجبة: وهي التي يتوقف عليها تأدية واجب مالي أو واجب بدني كالصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات البدنية إذا توقفت تأديتها على الإيصاء بها.
والقسم الثاني من الوصية: هو المستحب بالنسبة إلى الأمور المستحبة.


4ـ صلاة ركعتين عند إرادة السفر.


5ـ استفتاح السفر بالصدقة.


6ـ إعلام الأهل والأخوان والجيران بالسفر والعودة منه.


7ـ يستحب تشييع المسافر وتوديعه والدعاء له.


8ـ ولا ننسى طبعاً أن نؤكد على استحباب تحلّي المسافر بالأخلاق والتصرفات الحميدة مع إخوانه المسافرين والمبادرة إلى قضاء حوائجهم.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع