شارك هذا الموضوع

الثورات والانتفاضات في عهد الإمام الجواد (ع)


لم تزل الثورات العلوية والانتفاضات الشيعية، منذ وضعت حرب الإمام الحسين (عليه السلام) أوزارها، تتأجج وتشتعل بين الحين والآخر كلّما سنحت لذلك فرصة، وكلّما برز قائد ناهض. يساعد على ذلك:


أولاً: استمرار دور الأئمة (عليهم السلام) وحركتهم التغييرية داخل الأُمّة


وثانياً: استمرارية تسلط الحكومة الجائرة الظالمة اللاشرعية على رقاب المسلمين، وانتشار الفساد الاجتماعي والإداري والتعسف والجور.


وسنتناول هنا ما سجّله لنا التاريخ من ثورات أو انتفاضات انطلقت في عهد إمامة أبي جعفر الثاني (عليه السلام). مع أن البعض من تلك الأحداث وإن وقعت في حياته (عليه السلام) إلاّ أننا أعرضنا عن ذكرها؛ لئلاّ تطول بنا صحائف هذه الدراسة الموجزة؛ ولاَن تلك الحوادث كانت مما وقع في عهد (إمامة) الإمام الرضا (عليه السلام)؛ كثورة محمد بن إبراهيم بن طباطبا في الكوفة، وما تلاها من مساجلات وحروب لقائده العسكري أبي السرايا السري بن منصور. ثم انتفاضة اليمن بقيادة إبراهيم ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)؛ وخروج محمد ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في المدينة المنورة؛ وانتفاضة الكوفة مرة أُخرى سنة ( 202 هـ ) بقيادة أبي عبد الله ابن منصور أخو أبي السرايا. كما أن حركة حدثت بقيادة جعفر بن داود القمي سنة ( 214 هـ ) ذكرها الطبري في تاريخه بشكل مقتضب، ولم نعثر على تفاصيل تاريخية لهذه الحركة، ولم نقف على ذكر لجعفر القمي هذا، ومن يكون؟


وتحت تأثير القسوة التي أبداها المأمون العباسي، والدهاء الذي أظهره، من خلال تسليم ولاية العهد للإمام الرضا (عليه السلام)، أصبحت الأوضاع السياسية في حالة شبه مستقرة، واستحالت الثورات وكل تحرك ضد سلطته القائمة


إلى رماد، ولو أنه كان يخبئ تحته ناراً... ثم يخيّم وجوم... ويسود صمت ( شيعي ـ علوي )... يدوم بضع سنين... والناس في حيرة ووجل مما يفعله المأمون بابن الرضا (عليه السلام)، فبين شاكٍّ، ومصدِّق، ومنتظر ما يؤول إليه الأمر غداً، وهو ما أراده المأمون من مناورة الاستدعاء للإمام الجواد (عليه السلام) إلى بغداد ثم تزويجه من ابنته وإسكانه بالقرب منه والجعجعة به. ويستمر هذا الحال والإمام يمارس دور الإمامة ومهامها الكبرى بأناة وتروٍّ، حتى تحين سنة ( 207 هـ ).


1 ـ ثورة عبد الرحمن في اليمن:
بعد استتباب الأمور للمأمون، وسيطرته التامة على مجاري الشؤون الداخلية للدولة الإسلامية المترامية الأطراف، تندلع ثورة في نقطة بعيدة من أقاصي المملكة في اليمن بقيادة عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهو يدعو للرضا من آل محمد سنة ( 207 هـ ). وكان ذا جاه، فالتفّ حوله خلق كثير من شيعة أهل اليمن ومن غيرهم ممن ضاقوا ذرعاً من العباسيين وولاتهم. وسرعان ما سيطرت الحركة على البلاد، لتعاطف جماهير الأمّة معها. والتاريخ جد ظنين بأحداث هذه الثورة وظروفها وأسبابها ومداخلاتها.


وهناك قول لم نتحقق صحته، أن الثائر عبد الرحمن أقدم من المدينة محمد بن علي بن موسى (عليه السلام) ودعا إليه سنة سبع ومئتين ( 207 هـ ).


وتتسارع أنباء الثورة إلى بغداد عاصمة الخلافة، فيجهّز المأمون جيشاً كثيفاً بقيادة دينار بن عبد الله، ويرسله إلى اليمن لمساعدة واليه المفوّض هناك على تهامة اليمن محمد بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد ابن أبيه، وعاصمته زبيد، لقمع الثورة، وكتب مع قائد الجيش كتاب أمان إلى عبد الرحمن. وما أن وصلت طلائع الجيش إلى مشارف اليمن، وعلم عبد الرحمن أن لا قبل له بها، وكان قد قُرىَ عليه كتاب الأمان، عندئذٍ لم يجد بداً من تسليم نفسه على شرط الكتاب فقُبض عليه وأُرسل إلى بغداد، فغضب المأمون بسببه على الطالبيين ومنعهم من الدخول إلى مجلسه، ثم أجبرهم على لبس السواد العباسي بدل الخضرة الطالبية.


وكان محمد بن إبراهيم الزِّياديّ من أشد الناس بغضاً لعلي بن أبي طالب وأهل بيته (عليهم السلام)؛ لهذا لا يبعد أن يكون الرجل كجدّه لغير رشده. فاستعان هذا بالجيش في تقوية مركزه، فأوقع بالعلويين وأنصارهم وقتل شيعتهم وفرّق جمعهم، وبدّد أوصالهم، واجتاح مناطق تواجدهم، وأخذ يوسّع منطقة نفوذه حتى تم له الاستيلاء على أغلب البلاد اليمنية.


2 ـ انتفاضة القميين:
إنّ القبضة الحديدية للسلطة العباسية تجاه أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، لم تمنع من ظهور الحركات والثورات ضد التعسف والجور العباسي بين الفينة والاُخرى، من هذه الحركات حركة أهالي قم وانتفاضتهم عام ( 210هـ ). ومعلوم تشيّع القميين وولاؤهم لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنّهم وتبرماً من كثرة ما يدفعون من خراج السلطان الذي فرض عليهم، إذ كان عليهم دفع مليوني ( 2000000) درهم سنوياً، فاستكثروا هذا المبلغ وطلبوا تخفيفه أُسوة بما لحق الري من حطيطة خراجهم. ورُفع طلبهم إلى المأمون، فرفض إجابتهم إلى ما سألوا، فامتنعوا من أداء خراج هذا العام، وثاروا فخلعوا واليهم وطردوه، ونجحوا في السيطرة على البلد، ولو استمر نجاحهم لتغير الحال إلى وضع لا تُحمد عقباه بالنسبة للسلطة المركزية، لكن المأمون تدارك أمرهم بعلي بن هشام على رأس جيش أتبعه بآخر بقيادة عجيف بن عنبسة، ثم ألحقهما بسرية كانت عائدة من خراسان.


فالتقى الطرفان في حرب غير متكافئة بالعدة والعدد حتى ظفر علي بن هشام بالقميين وقتل رئيسهم يحيى بن عمران، وهدم سور المدينة، وفرض عليهم بدل المليونين سبعة ملايين درهم سنوياً، جباها منهم في سنته، فدفعوها إليه صاغرين.


3 ـ ثورة محمد بن القاسم العلوي:
من أهم الثورات العلوية الشيعية التي حدثت في زمن إمامة الإمام الجواد (عليه السلام)، هي ثورة محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الملقب بالصوفي؛ للبسه ثياب الصوف والمكنّى بأبي جعفر. كان من أهل العلم والفقه والدين والزهد.


وقد فصّل خروجه ومنازلاته ثم القبض عليه أبو الفرج الاَصفهاني في مقاتل الطالبيين قائلاً: وكان خروجه في منطقة الطالقان التي تبعد عن مرو أربعين فرسخاً ودعوته كانت للرضا من آل محمد كما هي حال كل الثورات العلوية، وقد تبعه عدد من وجوه الزيدية كيحيى بن الحسن بن الفرات الحريري، وعباد بن يعقوب الرواجني، وكانوا يدعون الناس إليه فتبعهم في مدة يسيرة خلق كثير. وتمت سيطرته على الطالقان مدة أربعة أشهر.


فلما بلغ خبره عبد الله بن طاهر وجّه إليه الجيوش، فكانت له بين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها، انهزم أخيراً محمد وأصحابه وتفرقوا في النواحي والآكام، ولجأ محمد بن القاسم إلى ( نسا ) فوشي به هناك فأُلقي عليه القبض، وقُيّد بالحديد وأُرسل إلى عبد الله بن طاهر، فأرسله عبد الله إلى المعتصم في ( سرّ من رأى ) فأُدخل عليه في مجلس شرابه ولهوه يوم 15 ربيع الثاني سنة ( 219 هـ )، وكان يوم نوروز، فأوقفه المعتصم حتى فرغ الغلمان من اللعب والراقصات من الرقص، وكانت كؤوس الشراب تُدار في المجلس أمام ناظري محمد بن القاسم، فلما رأى هذا الوضع بكى ثم قال: اللهم إنّك تعلم أني لم أزل حريصاً على تغيير هذا وإنكاره.


ثم أمر به المعتصم فحبس في سرداب ضيق كاد أن يموت فيه، فأمر بإخراجه منه وإيداعه في سجن في بستان. فلما كان ليلة عيد الفطر احتال محمد بطريقة فهرب بها من السجن وغاب عن الأنظار ولم يعرف له خبر بعد ذلك. وقيل: إنّه رجع إلى الطالقان فمات بها. وقيل: بل إنّه اختفى ببغداد مدة ثم انحدر إلى واسط فمكث بها حتى مات، وهو الذي مال إليه أبو الفرج الاَصفهاني وصححه. وقيل: إنّه توارى أيام المعتصم والواثق، وأُخذ في أيام المتوكل فحبسه حتى مات في محبسه، ويقال: إنّه دس إليه سماً فمات منه.


قال المسعودي: وقد انقاد إلى إمامته خلق كثير من الزيدية إلى هذا الوقت، وهو سنة ( 332 هـ )، ومنهم خلق كثير يزعمون أن محمداً لم يمت، وأنه حيّ يُرزق، وأنه يخرج فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وأنه مهدي هذه الأمّة، وأكثر هؤلاء بناحية الكوفة وجبال طبرستان والديلم وكثير من كور خراسان.


هذا ما وقفنا عليه من حوادث وأحداث خلال سني إمامة أبي جعفر الجواد (عليه السلام)، ومع أن التاريخ لم يحدثنا عن موقف علني للإمام (عليه السلام) من هذه الثورات والانتفاضات إلاّ أنها بلا شك كانت ستنال رضا الإمام (عليه السلام) فيما لو نجحت في تحقيق أهدافها في الإطاحة بالمتسلطين على الحكم ظلماً وعدواناً.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع