شارك هذا الموضوع

همسة نورانية من سيرة الإمام الرضا(ع)

1- ولادته ووفاته
ولد - على الأشهر- لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، وقال في الكافي: ولد سنة ثمان وأربعين ومئة، وقُبض في صفر من سنة ثلاث ومائتين، وهو ابن خمس وخمسين سنة، وقد أختلف في تاريخه، إلاّ أنّ هذا التاريخ هو أقصد إن شاء الله.


2- كنيته وألقابه (ع) كنيته أبو الحسن، ومن ألقابه: الرضا، والصابر، والرضي، والوفي، والصادق، والصدِّيق، وقرة أعين المؤمنين، وغيض الملحدين، وسراج الله، ونور الهدى، وكافي الخلق، وربّ السرير.


3- فضائله ومناقبه (ع)
وهي أكثر من أن تحصى، وقد إشتملت كتب العامة والخاصة على مآثره: 1/3 - قال ابن طلحة: (وكانت مناقبه عليّة، وصفاته الشريفة سنيّة، ومكارمه حاتميّة، وشنشنته أخزمية، وأخلاقه عربية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبويّة، فمهما عدّ من مزاياه كان (عليه السلام) أعظم منه، ومهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبة منه).


2/3 - عن أحمد بن علي الأنصاري، قال: سمعت رجاء بن أبي الضحّاك يقول: بعثني المأمون في إشخاص علي بن موسى الرضا (ع) من المدينة وأمرني أن آخذ به على طريق البصرة والأهواز وفارس، ولا آخذ به على طريق قم، وأمرني أن أحفظه بنفسي بالليل والنهار حتى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة إلى مرو، فو الله ما رأيت رجلا ً كان أتقى الله منه، ولا أكثر ذكرا ً له في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفا ً لله عز وجل.


وكان إذا أصبح صلى الغداة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبِّح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ويصلي على النبي وآله (ص) حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال، ثم جدّد وضوءه وعاد إلى مصلاّه، فإذا زالت الشمس قام وصلى ست ركعات يقرأ في الركعة الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ويقرأ في الأربع في كل ركعة الحمد لله وقل هو الله أحد، ويسلّم في كل ركعتين، ويقنت فيهما في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين، ثم يقيم ويصلي الظهر، فإذا سلّم سبّح الله وحمده وكبّره وهللّه ما شاء الله، ثم سجد سجدة الشكر يقول فيها مئة مرة شكرا ًلله، فإذا رفع رأسه قام، فصلى ست ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد وقل هو الله أحد، ويسلّم في كل ركعتين، ويقنت في ثانية كل ركعتين قبل الركوع وبعد القراءة، ثم يؤذن ثم يصلي ركعتين ويقنت في الثانية، فإذا سلّم قام وصلى العصر، فإذا سلّم جلس في مصلاه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم سجد سجدة يقول فيها مئة مرة حمدا ً لله.


فإذا غابت الشمس توضّأ وصلى المغرب ثلاثا ً بأذان وإقامة، وقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم رفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم ويصلى أربع ركعات بتسليمتين، يقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، وكان يقرأ في الأولى من هذه الأربع الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ثم يجلس بعد التسليم في التعقيب ما شاء الله حتى يمسي ثم يفطر.


ثم يلبث حتى يمضي من الليل قريب من الثلث، ثم يقوم فيصلي العشاء الآخرة أربع ركعات، ويقنت في الثانية قبل الركوع وبعد القراءة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يذكر الله عز وجل ويسبحه ويحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ويسجد بعد التعقيب سجدة الشكر، ثم يأوي إلى فراشه.


فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك ثم توضأ، ثم قام إلى صلاة الليل، فصلى ثماني ركعات، ويسلم في كل ركعتين يقرأ في الأوليين منها في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، ويصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات، يسلم في كل ركعتين، ويقنت في كل ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح، ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يصلي الركعتين الباقيتين يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك، وفي الثانية الحمد وهل أتى على الإنسان.


ثم يقوم فيصلي ركعتي الشفع، يقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويقنت في الثانية، ثم يقوم فيصلي الوتر ركعة، يقرأ فيها الحمد وقل هو الله أحد ثلاث مرات، وقل أعوذ برب الفلق مرة واحدة، وقل أعوذ برب الناس مرة واحدة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته: (اللهم صل على محمد وآل محمد، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت). ثمّ يقول: (أستغفر الله وأسأله التوبة) سبعين مرة، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله.


وإذا قرب الفجر قام فصلّى ركعتي الفجر، يقرأ في الأولى الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، فإذا طلع الفجر أذّن وأقام وصلى الغداة ركعتين، فإذا سلّم جلس في التعقيب، حتى تطلع الشمس، ثم سجد سجدتي الشكر حتى يتعالى النهار.


وكانت قراءته في جميع المفروضات في الأولى الحمد وإنّا أنزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، إلاّ في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة، فإنه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة الجمعة والمنافقون، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد وسبّح، وكان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين والخميس في الأولى الحمد وهل أتى على الإنسان، وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.


وكان يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء وصلاة الليل والشفع والوتر والغداة، ويخفي القراءة في الظهر والعصر، وكان يسبّح في الأخراوين يقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر) ثلاث مرات، وكان قنوته في جميع صلواته: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأجل الأكرم).


وكان إذا أقام في بلدة عشرة أيام صائما ً لا يفطر، فإذا جنّ الليل بدأ بالصلاة قبل الإفطار، وكان في الطريق يصلي فرائضه ركعتين ركعتين، إلاّ المغرب فإنه كان يصليها ثلاثا ً، ولا يدع نافلتها، ولا يدع صلاة الليل والشفع والوتر وركعتي الفجر في سفر ولا حضر.


وكان لا يصلي من نوافل النهار في السفر شيئا ً، وكان يقول بعد كل صلاة يقصّرها: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله أكبر) ثلاثين مرة، ويقول هذا لتمام الصلاة، وما رأيته صلى صلاة الضحى في سفر ولا حضر، وكان لا يصوم في السفر شيئا ً، وكان يبدأ في دعائه بالصلاة على محمد وآله، ويكثر من ذلك في الصلاة وغيرها.


وكان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى، وسأل الله الجنة وتعوّذ به من النار، وكان يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في جميع صلواته بالليل والنهار، وكان إذا قرأ (قل هو الله أحد) قال سرا ً (الله أحد) فإذا فرغ منها قال: (كذلك الله ربنا) ثلاثا ً، وكان إذا قرأ سورة الجحد قال في نفسه سرا ً (يا أيها الكافرون) فإذا فرغ منها قال: (ربي الله وديني الإسلام) ثلاثا ً، وكان إذا قرأ (والتين والزيتون) قال عند الفراغ منها: (بلى وأنا على ذلك من الشاهدين) وكان إذا قرأ (لا أقسم بيوم القيامة) قال عند الفراغ منها: (سبحانك اللهم بلى) وكان يقرأ في سورة الجمعة: (قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).


وكان إذا فرغ من الفاتحة قال: (الحمد لله رب العالمين) وإذا قرأ سبّح اسم ربّك الأعلى، قرأ سراً: (سبحان ربي الأعلى) وإذا قرأ يا أيّها الذين آمنوا قال: (لبّيك اللهمَّ لبّيك) سراً.
وكان لا ينزل بلداً إلا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم، فيجيبهم ويحدّثهم الكثير عن أبيه، عن آبائه عن علي (ع)، عن رسول الله (ص).


فلما وردت به على المأمون سألني عن حاله في طريقه فأخبرته بما شاهدت منه في ليله ونهاره وظعنه وإقامته، فقال: (بلى يا ابن أبي الضحّاك، هذا خير أهل الأرض، وأعلمهم وأعبدهم، فلا تخبر أحدا ًبما شهدت منه لئلاّ يظهر فضله إلا ّ على لساني، وبالله أستعين على ما أقوى من الرفع منه والإساءة به).


3/3 - وعن الهروي، قال: جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا (عليه السلام) بـ (سرخس) وقد قيّد، فاستأذنت عليه السجّان، فقال: لا سبيل لكم إليه، فقلت: ولِمَ ؟ قال: لأنه ربما صلى في يومه وليلته ألف ركعة، وإنّما ينفتل من صلاته ساعة في صدر النهار، وقبل الزوال، وعند إصفرار الشمس، فهو في هذه الأوقات قاعد في مصلاّه، يناجي ربه، قال: فقلت له: فاطلب لي في هذه الأوقات إذنا ً عليه، فاستأذن لي عليه فدخلت عليه وهو قاعد في مصلاّه متفكّراً. الخبر.
وكان إذا نصبت مائدته، أجلس على مائدته مماليكه حتى البوّاب والسائس والحجّام، حتى يوم وفاته، مع أنه كان يوم وفاته يتململ كتململ السليم من أثر السم.


4/3 - وفي الصحيح عن عبد الله بن الصلت، عن رجل من أهل) بلخ)، قال: كنت مع الرضا (ع) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بـ مائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة، فقال: (مه، إنّ الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة والأب واحد، والجزاء بالأعمال).


5/3 - مرّ رجل بـ أبي الحسن الرضا (ع) فقال: (أعطني على قدر مروّتك)، قال: (لا يسعني ذلك)، فقال: (على قدر مروّتي)، قال: (أما إذاً فنعم)، ثم قال: (يا غلام أعطه مأتي دينار).


6/3 - عن اليسع بن حمزة، قال: كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرضا (ع) أُحدّثه وقد إجتمع إليه خلق كثير يسألونه عن الحلال والحرام، إذ دخل عليه رجل طوال آدم، فقال له: السلام عليك يا ابن رسول الله، رجل من محبّيك ومحبّي آبائك وأجدادك، مصدري من الحج وقد إفتقدت نفقتي، وما معي ما أبلغ به مرحلة، فإن رأيت أن تنهضني إلى بلدي، ولله عليّ نعمة، فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي توليني عنك، فلستُ موضع صدقة. فقال له: (اجلس رحمك الله)، وأقبل على الناس يحدّثهم حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: (أتأذنون لي في الدخول)؟ فقال له سليمان: قدم الله أمرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة ثم خرج وردّ الباب، وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: (أين الخراساني) ؟ فقال: ها أنا ذا فقال: (خذ هذه المائتي دينار، واستعمل بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها، ولا تصدق بها عني، وأخرج فلا أراك ولا تراني). ثم خرج، فقال سليمان: جعلت، فداك لقد أجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: (مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته...).


ومن هذه سيرته في عبادته للخالق ومعاشرته للخلق، لو صار الأمر إليه فتح على الناس باب معرفة الله في عبادته، ولوصلوا بالإقتداء به إلى إتّقاء الله حق تقاته، وبلغ الإنسان إلى حد كرامته، وتحقق ما قال الله سبحانه: (الذَّيِنَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَءاتَوُاْ الزَّكَاةَ وّأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ).


4- حكمه ومواعظه(ع)
نذكر بعضها:

1/4 - (لا يكون المؤمن مؤمنا ً حتى تكون فيه ثلاث خصال، سنّة من ربه، وسنّة من نبيه، وسنّة من وليّه، فأما السنّة من ربه فكتمان السر، وأما السنّة من نبيه فمداراة الناس، وأما السنّة من وليّه فالصبر في البأساء والضرّاء).


2/4 - (الإيمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله، والتفويض إلى الله، وقال العبد الصالح: وأفوّض أمري إلى الله، فوقاه الله سيئات ما مكرواً).


3/4 - (لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقّه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا).


4/4 - (ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملوك وفاء، ولا لكذوب مروّة).


5/4 - (من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل المال ما وقى به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه، والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه).


6/4 - (الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسّم بين العباد شيء أقل من اليقين).


7/4 - وقال له ابن السكيت: (فما الحجّة على الخلق اليوم) ؟ فقال (ع): (العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه)، قال ابن السكيت: (هذا والله هو الجواب).


5- كراماته (ع)
1/5 - ومن كراماته ما رواه في الإرشاد والبصائر والعيون، عن مسافر، قال: كنت مع الرضا (ع) بـ (منى) فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فقال: (مساكين هؤلاء، لا يدرون ما يحلّ بهم في هذه السنة)، ثم قال: (هاه! وأعجب من هذا، هارون وأنا كهاتين)، وضمّ بإصبعيه، قال مسافر: فو الله ما عرفت معنى حديثه حتى دفنّاه معه.


2/5 - ومما روته العامة - على ما في المناقب - عن سعد بن سعد، أنه قال: نظر الرضا إلى رجل فقال: (يا عبد الله، أوص مما تريد، واستعد لما لا بدّ منه)، فمات الرجل بعد ثلاثة أيام.


3/5 - والخاصة كما في العيون وإعلام الورى وغيرها بإختلاف يسير، عن الحسن بن علي الوشاء، قال: شخصت إلى خراسان ومعي حلل وشيء للتجارة فوردت مدينة مرو ليلا ً وكنت أقول بـ الوقف على موسى بن جعفر (ع)، فوافق موضع نزولي غلام أسود كأنه من أهل المدينة، فقال لي: يقول لك سيدي: (وجّه إليّ بالحبرة التي معك لأُكفّن بها مولى لنا قد توفي)، فقلت له: (ومن سيدك) ؟ قال: علي بن موسى الرضا (ع)، فقلت: ما معي حبرة ولا حلّة إلا وقد بعتها في الطريق، فمضى ثم عاد إليّ فقال لي: (بلى قد بقيت الحبرة قبلك)، فقلت له: إني ما أعلمها معي، فمضى وعاد الثالثة، فقال: (هي في عرض السفط الفلاني)، فقلت في نفسي: إن صحّ قوله فهي دلالة، وكانت إبنتي قد دفعت إليَّ حبرة وقالت: إبتع لي بثمنها شيئا ً من الفيروزج والسبج من خراسان ونسيتها، فقلت لغلامي: هات هذا السفط الذي ذكره، فأخرجه إليَّ وفتحه، فوجدت الحبرة في عرض ثياب فيه، فدفعتها إليه، وقلت: لا آخذ لها ثمناً، فعاد إليّ وقال: (تهدي ما ليس لك؟ دفعتها إليك إبنتك فلانة، وسألتك بيعها وأن تبتاع لها بثمنها فيروزجاً وسبجاً فابتع لها بهذا ما سألت)، ووجّه مع الغلام الثمن الذي يساوي الحبرة بـ (خراسان).


فعجبت مما ورد عليَّ، وقلت: والله لأكتبنَّ له مسائل أنا شاكٌ فيها، ولأمتحنه بمسائل سُئل أبوه (ع) عنها، فأثبتُّ تلك المسائل في درج وعدت إلى بابه والمسائل في كمي، ومعي صديق لي مخالف، لا يعلم شرح هذا الأمر.


فلما وافيت بابه رأيت العرب والقوّاد والجند يدخلون إليه، فجلست ناحية داره وقلت في نفسي: متى أنا أصل إلى هذا وأنا متفكر، وقد طال قعودي وهممت بالإنصراف إذ خرج خادم يتصفح الوجوه، ويقول أين ابن إبنة إلياس؟ فقلت: ها أنا ذا، فأخرج من كمه درجاً وقال: هذا هو جواب مسائلك وتفسيرها، ففتحته وإذا فيه المسائل التي في كمي وجوابها وتفسيرها، فقلت: أشهد الله ورسوله على نفسي أنك حجة الله، وأستغفر الله وأتوب إليه، وقمت، فقال لي رفيقي: إلى أين تسرع؟ فقلت: قد قضيت حاجتي في هذا الوقت، وأنا أعود للقائه بعد هذا.

التعليقات (0)

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع