واصلت حسينية الحاج أحمد بن خميس سلسلة المجالس الحسينية، وذلك في ليلة الثاني من موسم محرم لعام 1447 هـ، وقد سبق البرنامج تلاوة للقرآن الكريم بصوت القارئ علي حميدان، تلتها زيارة الإمام الحسين بصوت الرادود علي عيد. وتحت عنوان: "ادخلوا في السلم كافة"، ابتدأ سماحته المجلس بآية من سورة البقرة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208)". العنوان الذي نقف عنده هذه الليلة هو: ثقافة السلم وثقافة العنف، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي.
الإنسان الذي ينشأ في مجتمع يسوده السلم والرحمة، تنعكس هذه القيم على سلوكه، والعكس صحيح. وقد نقل التاريخ مثالًا على ذلك في مجتمع إسبرطة، حيث يُربّى الطفل على الطابع العسكري، ويُمنح مراتب عالية بحسب هذا التصنيف. أما الإسلام، فهو حريص على أن يوفّر بيئة اجتماعية تغمرها المحبة والرحمة، كما ورد عن أمير المؤمنين (ع): "وهل الدين إلا الحب؟ و الآية المباركة تقول " "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين." وأول ما شجّع عليه الإسلام هو إغمار الأولاد بالحب والحنان. فعن رسول الله (ص): "من قبّل ولده كتب الله له حسنة." فبعض الأفعال خفيفة، لكنها إذا تراكمت كانت تبعاتها عظيمة. وفي المقابل، عندما يُحرم الطفل من العاطفة داخل الأسرة، يبحث عنها خارج البيت بوسائل غير سليمة، مما يؤدي به إلى نتائج لا تُحمد عقباها. وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) قوله: "أكثروا من قبلة أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة." وكان رسول الله (ص) يُقبّل الحسن والحسين، ليُرسّخ هذه الثقافة.
المرتبة الثانية هي حثّ المجتمع على التمسّك بالتعاليم الإسلامية التي تدعو لاحترام الكبير، والعطف على الصغير، ليعيش المجتمع في ظل ثقافة الرحمة والحب، وينعكس ذلك على سلوك أفراده وتربيتهم، ويبدأ هذا أولًا من داخل الأسرة، ثم يمتد إلى الأرحام، ثم إلى المجتمع الأوسع. وقد علّمنا رسول الله (ص): "وقّروا كباركم، وارحموا صغاركم." وكما بيّن أمير المؤمنين (ع): "ما طاب سقيه طاب ثمره، وما خبث سقيه خاب ثمره." ومن الأمور التي رَبّانا عليها الإسلام: تقديم السِّلم، كما جاء في بداية الآية، وفي آية أخرى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها." أي أن السِّلم هو المقدَّم، وفي آية أخرى: "وأُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم، تحيتهم فيها سلام (23)." و عن رسول الله (ص): "أما تعلم أن المسلمين إذا التقيا فتصافحا، تحاتّت ذنوبهما كما يتحاتّ ورق الشجر." وقد جعل الله الرد على السلام من الأمور الواجبة.
وعندما نقف مع المواساة وإحياء شعائر أهل البيت، من لطم وعزاء وبكاء، فإن هذه الثقافة تُجسّد مبدأ التعاطف مع المظلوم، وليست وسيلة لإشاعة العنف في المجتمع ، فالمجتمع الإسلامي يُحثّ الإنسان على التزام السلم، ولكن في حالة التعدّي يُقر الإسلام الرد المشروع، ويعبّر عنه بأنه حياة: "ولكم في القصاص حياة." وهذه هي ثقافة الإسلام. وفي قوله تعالى: "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) ، نجد أن القرآن يتعاطف مع المظلوم. أما حركة الإمام الحسين (ع)، فلم تكن ضد السِّلم، بل كانت دفاعًا عن أمن الأمة الإسلامية ومصالحها، رغم التزامه (ع ) بالصلح مع معاوية.
الكراني ليلة الثاني من شهر محرّم الحرام لعام 1447هـ/2025م






























التعليقات (0)