شارك هذا الموضوع

الإقتباسات القرآنية في أشعار المواكب الحسينية (1)

إن مواكب العزاء في البحرين تلعب دورا كبيرا جدا في إثراء الساحة العربية بالأشعار والقصائد المختلفة، بين قصائد طويلة، وقصائد قصيرة، بين قصائد ذات فقرات متعددة، وبقوافي متعددة أيضا، إلى قصائد متعددة الأوزان.


هذه القصائد وهذه الأشعار يترنم بها الرواديد الحسينيون في مختلف مناطق البحرين، ويؤلفها وينظمها شعراء بحرانيون أخذوا على عاتقهم تطوير المجال الشعري الحسيني، وستجد عددا لايستهان به من القصائد في شهر محرم الحرام تصل إلى المئات، وكلها جديدة طرية، إما أنها كتبت قبل شهر محرم الحرام بأسابيع أو ايام، وإما أنها كتبت قبل المناسبة بأيام قلائل، أضف أن هناك قصائد أخرى تكتب في مناسبات وفيات أئمة أهل البيت (ع) في شهر صفر وبقية أشهر العام الهجري.


حاولَتْ هذه القصائد أن تستفيد استفادة كبيرة من القرآن الكريم، فعمد مؤلفوها إلى الإقتباس منه بصور مختلفة شتى، فتارة تستخدم الآية كاملة، وتارة يستخدم جزء من الآية، وتارة أخرى يقتبس الشاعر المعنى من الآية الكريمة ليضمنه قصيدته.


في هذه الدراسة المتواضعة سنحاول المرور على بعض النماذج التي كتبت لشعراء مختلفين في البحرين، كما أنها ستركز على أشعار الموكب الحسيني دون غيره.


النموذج الأول:
 من قصيدة أنشدها الرادود الحسيني فاضل البلادي من تأليف الشاعر غازي الحداد والتي يبدأ مستهلها بـ : الشمريون الإرهابيون عادوا فوق الأعوجية  .. حيث يقول في بعض أبيات تلك القصيدة :


لو وضع الميزانُ فهم الاخسرون
يحسبون أنهم حسنا يفعلون
صمٌ وبكمٌ عميٌ لا يبصرون
في ظلماتِ الباطلِ يعمهون


في هذه الأبيات الأربعة عدد من الإقتباسات من القرآن الكريم فالبيت الأول اقتبس من الآية 7 من سورة الرحمن حيث يقول تعالى : " والسماء رفعها ووضع الميزان " وفي البيت دلالة واضحة في عن أن الظالمين إذا وضع الميزان لهم يوم القيامة فإن الخسران هو النتيجة الطبيعية لهم، بل نجد أن كلمة " الأخسرون " هي كلمة قرآنية في الآية الثانية والعشرين من سورة هود حيث يقول تعالى: " لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ".


 أما البيت الثاني فإننا سنجد اقتباسا آخر جميلا جدا يدل على معنى رائع وذلك في آية 104 من سورة الكهف حيث يقول تعالى: " الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " وقد استخدم الشاعر هنا بعض الكلمات القرآنية أيضا مثل ماصنع في البيت الأول.


كما أن البيت الثالث حاول أن يكمل المعاني القرآنية السامية فجاء دالا على آية 18 من سورة البقرة، حيث يقول تعالى: " صم بكم عمي فهم لايرجعون " ونلاحظ أن الشاعر هنا استخدم النص القرآني بصورة جلية وواضحة، حيث وظف معنى الآية توظيفا دقيقا فيما عدا استخدام كلمة " يبصرون " فإنها دالة على كلمة العمى، إلا أنها ايضا دالة على ذهاب البصيرة وليس البصر وحده وهو مايذهب إليه القرآن الكريم، كما أن كلمة لايبصرون جاءت متكررة في القرآن الكريم في عدد من الآيات.


أما البيت الرابع ففيه اقتباس آخر من اقتباسات القرآن الكريم، ونجد ذلك جليا وواضحا في استخدام كلمة " يعمهون " والتي تعني الحيرة، حيث وردت في القرآن الكريم سبع مرات خمس منها احتوت على كلمة الطغيان في قوله تعالى " في طغيانهم يعمهون " أما الآيتان الأخريان فلم تذكران كلمة الطغيان، أما كلمة الظلمات فقد جاءت في الآية السابعة عشر من سورة البقرة في قوله تعالى: " في ظلمات لايبصرون "، والشاعر هنا استخدم المعاني المترابطة في الآيات المتتالية في سورة البقرة من الآية 15 وحتى الآية 18 وكلها تتحدث عن " الذين كفروا ".


النموذج الثاني:
 من قصيدة ألفها وأنشدها " كاتب الموضوع " في وفاة الإمام علي (ع) حيث تتحدث هذه الفقرة من القصيدة حول الوطن وسلب كرامته من قبل الغزاة والطاغين العابثين، والتي يبدأ مستهلها بـ : من دم المحراب ثورة، وهو مستهل لقصيدة سابقة ألقيت في الثمانينيات، حيث يقول في بعض الأبيات من تلك القصيدة:


والله ما اتعظوا جهلا بالتأريخ
وأدوا العهد بل جاؤوا شيئا إدا
 مكروا مكرا كبارا ولقد كادوا
كيدوا كيدا فالله يكيد كيدا
كلا هذي الأرض إن دكت دكا
يغدوا الظلام لامجدا أو طودا
                                                                                                                             هذا النموذج الثاني احتوى على العديد أيضا من الإقتباسات من القرآن الكريم، ولعمري إن أحد الجوانب الإعجازية في القرآن الكريم هو اقتباس العديد من الشعراء والمؤلفين والأدباء من نمير هذا الكتاب العذب الصافي، الذي لايأتيه الباطل من يديه ولامن خلفه.


 البيت الأول يتحدث عن الطاغين وعن وأد العهود وهذا اقتباس من آية تحدثت عن العرب أيام الجاهلية إذا كانوا يئدون البنات، والوأد هو قتل الإنسان حيا بدفنه أو ماشابه، حيث يقول تعالى في سورة التكوير الآية 8: " وإذا الموؤودة سئلت " أما الكلمة الثانية في البيت نفسه فهي " إدا " حيث يقول تعالى في سورة مريم الآية 89: " لقد جئتم شيئا إدا " وهذه الآية تتحدث عن الكفار الذين قالوا أن الله اتخذ ولدا.


أما البيت الثاني ففيه أكثر من اقتباس كذلك، ففي سورة نوح الآية 22 وردت الآية الكريمة حيث يقول تعالى: " ومكروا مكرا كبارا " ونجد هنا المؤلف استخدم الآية الكريمة بكل تفاصيلها ماعدا حرف الواو الذي تبدأ به الآية الكريمة، كما نجد في هذا البيت استخداما آخر لآيات القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى في سورة الطارق في الآيتين 15 و 16: " إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا " وقد اقتبس المؤلف هنا آيتين وليس آية واحدة، وقد جاءتا بسياق وموضوع واحد، إذ يتحدث القرآن عن محاولة الكيد لدى الكافر، وكيف أن الله سبحانه يرد عليهم كيدهم.


وسنجد اقتباسا واضحا أيضا في البيت الثالث لآية من آيات الوعيد في القرآن المجيد، حيث يقول تعالى في سورة الفجر الآية 21: " كلا إذا دكت الأرض دكا دكا "

التعليقات (2)

  1. avatar
    علي حسين

    شكرا أبو علي على الموضوع

  2. avatar
    بدون

    شكرا يارادودنا على الإثراء

شارك بتعليقك حول هذا الموضوع

شارك هذا الموضوع